ليلة الرعب في عمان

نشر في 26-03-2014
آخر تحديث 26-03-2014 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي في مساء يوم الأربعاء الموافق 9/11/2005 تلقيت اتصالا هاتفيا من الأخ العزيز فوزي الفوزان الذي أبلغني بوصوله للتو من الكويت ويقيم حاليا في فندق "حياة عمان"، وعليه فقد تم الاتفاق مع الأخ بوعبدالله على أن نلتقي في أحد مطاعم منطقة عبدون، التقينا هناك وكانت الساعة تقارب التاسعة مساء، وبعد انقضاء بعض الوقت في الحديث عن الساحة الكويتية وما يدور فيها من حراك سياسي يعبر بوضوح عن الحالة الكويتية ذات التميز الخاص، وفي الساعة التاسعة والنصف بدأت الأخبار المؤلمة بالتواتر، تفجير إرهابي في حفل زفاف يقام في فندق "راديسون ساس"، تلاه بدقائق انفجار آخر في صالة الاستقبال بفندق "حياة عمان"، حيث كان يوجد قبل قليل الأخ العزيز بوعبدالله ولكن قدرة رب العالمين أنقذته، بعد ذلك بدقائق انفجار ثالث في فندق "ديز إن".

عند ذلك بدأ التواصل بين أعضاء السفارة، ومنهم الإخوة الأعزاء عيسى الشمالي ومحمد الهاجري ومحسن العجمي ومساعد المطيري والعقيد مرزوق المطوع، وكان الجميع مدركاً خطورة الوضع وحجم المسؤولية، خاصة في ظل وجود طلاب وطالبات من الكويت يفوق عددهم الثلاثة آلاف، إضافة إلى عدد كبير من السياح ورجال الأعمال، وهناك تخوف شديد من وجود ضحايا من المواطنين الكويتيين من بين هذا العدد الكبير من الضحايا حيث تجاوز عدد القتلى (57) والجرحى (111).

 انتشر أعضاء السفارة بين المستشفيات ومراكز الشرطة والفنادق التي تعرضت للتفجير وكنت أتولى مسؤولية التنسيق والمتابعة مع الجميع، وإرسال تلك المعلومات إلى وزارة الخارجية التي قامت بفتح خط مباشر معنا.

في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل تلقيت اتصالا هاتفيا من السيد محمد ضيف الله شرار المستشار في الديوان الأميري، وكان وقتها يشغل منصب وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير دولة لشؤون مجلس الأمة، وذلك للاطمئنان على أوضاع الطلبة والمواطنين وأعضاء السفارة، وقد أبلغته بأنه ولله الحمد لم تسجل أي إصابة بين المواطنين الكويتيين، استفسر عن إمكانية الاتصال مع رئيس مجلس الوزراء الأردني الذي كان مجلسه في حالة انعقاد مستمر لمتابعة الأحداث، وقد قمت بترتيب ذلك الاتصال، وتم إبلاغ الرئيس بتضامن دولة الكويت مع الأردن الشقيق وإمكانية تقديم المساعدة في ظل هذه الأوضاع الصعبة.

في اليوم التالي للأحداث قمت بزيارة لبعض جرحى تلك الانفجارات، وكان من ضمنها زيارة طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، وقد أصيب بشظية في أحد أعصاب المخ أفقدته النطق، جلس بجانبه والداه وقد تقرحت مقلتاهما من دمع الألم، تحدثت لنا والدته بنبرة تخنقها الأحزان "بالأمس كان يقرأ لنا القرآن والأحاديث واليوم أصبح عاجزا حتى عن نطق شهادة التوحيد، فهل هذا العمل الجبان جهاد في سبيل الله وإعلاء لدينه؟"، ثم خنقتها العبرة فسكت اللسان وتحدث الدمع.

بعد انقضاء أسبوع تقريبا من تلك الأحداث استقبلت في مكتبي في مقر البعثة الدبلوماسية السيد أشرف الأخرس وهو الزوج الذي حدث التفجير في حفل زفافه، حيث فقد 26 فرداً من عائلته، وفقدت زوجته والديها، كما فقد هو والده الذي جاء من الكويت التي قضى فيها جلّ عمره.

وقد أحضر أشرف تذكرة سفر المرحوم والده، والتي تحمل تاريخ مغادرته الكويت والعودة إليها بعد أسبوع، ولكن إرادة الله قضت بغير ذلك مصداقا لقوله جل وعلا "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"، ونتساءل: هل سرقة الفرح من القلوب جهاد في سبيل الله؟ هل التفجير في الأعراس والتجمعات بأحزمة ناسفة وسيارات مفخخة يعتبر شجاعة؟ وهل لقتل الأطفال والنساء ثواب عند الله؟ إلى متى تستمر المعارك والقتال في عالمنا العربي والإسلامي؟ ولمصلحة من تزهق هذه الأرواح؟ وما الهدف؟ وإلى أين نسير؟ وأي نظام حكم سيقوم على أشلاء آلاف الضحايا، وآلاف الثكالى والأرامل والأيتام وملايين المشردين واللاجئين؟ وإن توقفت المعارك فهل ستتوقف موجة الأحقاد والكراهية التي غرست في النفوس وتغلغلت في الوجدان؟

إن لنا في ما دار من حروب أهلية ودينية في بعض الدول من حولنا عبرة لمن يعتبر، فأثناء عملي سفيراً محالاً إلى جمهورية البوسنة والهرسك كنت كثير التردد على العاصمة "سراييفو"، في أحياء تلك المدينة يمكن أن تشم غبار الموت عالقاً بالأجواء وترى المقابر منتشرة بين الأحياء بمنظر يدمي القلب، وفي تلك المقابر ترى في جانب منها نصب مجسم للهلال، وفي الجانب الآخر نصب مجسم للصليب، لم تسعهم الأرض على ظهرها فحوتهم في بطنها، فتساوى الطفل والعجوز والرجل والمرأة، وأصبح الجميع في ذمة التاريخ، فمن كان على حق؟ ومن كان على باطل؟ الحكم لله وحده سبحانه.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

الإخوة الكرام نواب الدائرة الأولى:

نيابة عن ناخبي الدائرة نتمنى عليكم المرور بسياراتكم الخاصة وليس الحكومية بشارع المسجد الأقصى المقابل للسفارة الأميركية في منطقة بيان فقط للاطلاع مع الشكر.

back to top