وراء ستارة مسرح الأزمة السورية أي "الكواليس" هناك مساومات وبيع وشراء وهناك مناورات وألاعيب ومؤامرات تنخرط فيها دول متعددة وجهات كثيرة مع أنَّ "الدهاقنة" الأساسيين يكادون ينحصرون في الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، التي مع تقادم الوقت أصبحت هامشية وبلا حول ولا قوة، ومع هؤلاء جميعاً إيران، التي إنْ بقيت الأمور تسير على هذا النحو وفي هذا الاتجاه وإذا بقيت إدارة باراك أوباما مصابة بكل هذا الإعياء السياسي في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية، فمن غير المستبعد أنْ تنتج الأسلحة النووية وأن تصبح لاعباً دولياً، بحيث تشكل إلى جانب روسيا والصين وبعض دول أميركا اللاتينية كتلة عالمية تمتلك القرار الدولي المتعلق بشؤون هذه المنطقة والعالم بأسره.

Ad

هذا بالنسبة لما وراء ستارة مسرح الأزمة السورية، أما على خشبة المسرح نفسه فإنَّ هناك نظاماً أصبح متهالكاً بالفعل كالملاكم المنهار الذي غدا قبل السقوط على أرض الحلبة يخبط خبط عشواء، وبات يستجمع كل قواه ليتماسك ولو للحظة واحدة عسى أن يتمكن من إصابة رأس خصمه بإحدى هذه اللكمات العشوائية ليفوز في النهاية بالنقاط وليسجل لنفسه انتصاراً وهمياً ربما هو في حقيقة الأمر أسوأ كثيراً من أي هزيمة "مُشرِّفة"! وأسوأ من استسلام بدون أنف راعف ووجنات متورمة ونهاية محتمة لعلاقته بهذه اللعبة المكلفة.

أما على خشبة المسرح أيضاً فإن هناك معارضة مستنزفة ومثخنة بطعنات غدرٍ، معظمها ممن يلبسون لباس الأصدقاء وهم أشد مكراً من الأعداء، وهناك لعبة دولية لا يهمها همُّ سورية ولا همُّ الشعب السوري، كما أن هناك تقاسمَ غنائم وتوزيع أدوار ودولاً كبرى تتبادل عض الأصابع، وهناك تسديد حسابات قديمة وجديدة، وربما هناك "سايكس- بيكو" أخرى ستمزق منطقتنا العربية أكثر مما مزقتها "سايكس- بيكو" الأولى، تلك المؤامرة القذرة التي حبكتها عشية الحرب العالمية الأولى دولتا الاستعمار القديم فرنسا والمملكة المتحدة البريطانية.

كل الأنظار تتجه الآن إلى جنيف الثانية وإلى مسرحية استدراج إيران لحملها على التخلي عن مشروع إنتاج الأسلحة النووية وأيضاً إلى "ملهاة" تدمير أسلحة نظام بشار الأسد الكيماوية وغض النظر عن استخدامه لهذه الأسلحة في الحادي والعشرين منْ أغسطس الماضي ضد الأطفال السوريين وضد المدنيين وأبناء الشعب السوري... وهذا بينما هذا النظام، ومعه إيران وحزب الله وفيلق "أبو الفضل العباس"، يواصل مذابحه بدوافع طائفية قذرة وبأسلحة روسية لم يتوقف وصولها إلى فرق الموت النظامية، وعلى نحو ثلاثين شهراً، ولا للحظة واحدة.

ومقابل كل هذا فإن ألاعيب "الكواليس" تشير إلى سعيٍ دؤوب لعقد اجتماع "مصالحة" في إسبانيا، والذي إنْ هو تمَّ وأغلب الظن أنه سيتم، فسيجمع كل أطياف المعارضة السورية بما فيها معارضة الداخل التقليدية المُدجَّنة لصاحبها "نظام حزب البعث وصاحبه بشار الأسد وما تبقى من رموز الزمرة الحاكمة" كما سيجمع أيضاً الروس والأميركيين وبعض العرب وإلى جانبهم "العجم" ومع هؤلاء جميعاً بعض "الديكور" الأوروبي و"الرفاق" من الصين الشعبية.

هناك الآن عمليات ضغط هائل على المعارضة السورية الفعلية المتمثلة أساساً في "الائتلاف الوطني" وفي "الجيش الحر" ويأتي في إطار هذا الضغط كل هذه الانشقاقات التي يجري الحديث عنها وكل هذا التكاثر "البكتيري" لتنظيمات لا يوجد منها على أرض الواقع إلا الأسماء وإلا البيانات الانشقاقية، ويأتي في إطار هذا الضغط أيضاً ما تقوم به روسيا وما تقوم به الولايات المتحدة وكل هذه الحملات الإعلامية التي تجعل بشار الأسد يتحدث عن أنه سيتخلى عن "الخصخصة" لمصلحة القطاع العام خلال الأعوام العشرة المقبلة، والتي تجعل زوجته لا تنظر إلى كل هذا الذي يجري حولها وتنشغل بكيفية إعداد ابنها الذي يحمل اسم جده "حافظ" ليكون خلفاً لوالده، وبالطريقة نفسها التي خلف بها هذا الوالد "والده"!

وهكذا، فإن هناك لعبة دولية تجري الآن على مسرح الأزمة السورية، إنْ وراء الستارة في "الكواليس" وإنْ على خشبة هذا المسرح، وإن هناك مؤامرة قذرة، إذا حالفها النجاح فإنَّ تفتتاً هائلاً سيضرب سورية، ولن يبقى العراق موحداً، وهذه العدوى قد تنتقل إلى العديد من الدول الشرق أوسطية، بما في ذلك تركيا، ولذلك فعلى كل الذين يشعرون بكل هذا أن يبادروا إلى الوقوف إلى جانب المعارضة السورية، العلمانية المعتدلة، وأن يضمنوا لها الانتصار، لأن عدم انتصارها سيعني أن هذه الصورة المأساوية المشار إليها آنفاً ستكون تحصيل حاصل!