عالم أحلام جون كيري عن الشرق الأوسط

نشر في 14-11-2013
آخر تحديث 14-11-2013 | 00:01
خصص وزير الخارجية الأميركية محطته الثانية في جولته لنتنياهو وعباس، اللذين خرقا تعهدهما بالتزام الصمت ليؤكدا أن المفاوضات لم تحقق أي تقدم. لكن كيري لم يرَ أي داعٍ للقلق، بل قال: «أنا مقتنع من خلال محادثاتي» معهما «بأن هذه ليست مهمة مستحيلة، من الممكن تحقيق ذلك».
 واشنطن بوست تخيلوا عالماً لا يعاني فيه الشرق الأوسط المجازر والفوضى، بل يوشك أن يشهد سلسلة من الإنجازات الضخمة. فبحلول فصل الربيع المقبل، ستكون أزمة برنامج إيران النووي قد حُلت، ومصر قد أصبحت ديمقراطية ليبرالية. كذلك سيكون الرئيس السوري بشار الأسد قد تنحى، وتوصل الإسرائيليون والفلسطينيون إلى اتفاق لإنشاء دولة فلسطين.

في هذا العالم يعيش جون كيري، بينما كان يتنقل حول العالم أخيراً: عالم خيالي وُلد من رؤيته المتماوجة عما يستطيع أن يحققه بصفته وزير الخارجية الأميركي. في هذه الأثناء، تقدم وكالات الإغاثة على كوكبنا هذا تقارير عن المجاعة وتفشي وباء الشلل في سورية. كذلك يُحاكم رئيس مصر المنتخب، في حين يصف القادة الإسرائيليون والفلسطينيون محادثات السلام، التي تؤدي فيها الولايات المتحدة دور الوسيط، بالمعطلة. ويعتبر وزير الخارجية الفرنسي الاتفاق المقبل مع إيران "لعبة غبية".

لنطلق عليها جولة كيري السحرية الغامضة. ففي 3 نوفمبر، أعلن في القاهرة أن "خارطة الطريق "نحو الديمقراطية في مصر" تُتبع على النحو الذي نراه الأفضل"، بعد أن أخفق في ذكر حتى المحاكمة المسيسة للرئيس المخلوع محمد مرسي.

ويوم الثلاثاء، قدم كيري التوضيح التالي لأسباب اعتقاده أن مؤتمر السلام في سورية الذي يسعى له سينجح: "يدرك نظام الأسد جيداً أن هدف" هذا المؤتمر "تشكيل حكومة مؤقتة". وعلى "الحكومة السورية أن تقبل بالقدوم إلى جنيف". يلي ذلك، حسبما يتضح، حضور الأسد وقبوله بكل طيب خاطر بالتخلي عن السلطة. أما إذا رفض، فيؤكد كيري أن "الروس والإيرانيين... سيحرصون على أن يفي النظام بالتزاماته".

لم يقف تفاؤل كيري عند هذا الحد. فقد خصص محطته التالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، اللذين خرقا تعهدهما بالتزام الصمت ليؤكدا أن المفاوضات، التي أقنعهما كيري ببدئها في شهر يوليو، لم تحقق أي تقدم. لكن كيري لم يرَ أي داعٍ للقلق، بل قال: "أنا مقتنع من خلال محادثاتي" معهما "بأن هذه ليست مهمة مستحيلة. من الممكن تحقيق ذلك".

حدث كل ذلك قبل رحلته في نهاية الأسبوع إلى جنيف من أجل ما تحول إلى محاولة فاشلة لعقد صفقة مع إيران بشأن برنامجها النووي. استخلص كيري: "أقول لكم من دون أي تحفظات أننا حققنا تقدمنا ملحوظاً".

من المتعارف عليه أن مهمة وزير الخارجية الأميركي تشمل معالجة مشاكل كبيرة دبلوماسياً، حتى لو عنى ذلك القيام بمهمات مستحيلة. رغم ذلك، من الصعب التفكير في وزير خارجية سابق انفصل إلى هذا الحد عن الوقائع على الأرض. بالنسبة إلى مَن هم خارج تأثير فقاعة كيري التفاؤلية، يحكم مصرَ اليوم نظامٌ أكثر قمعاً من أي نظام آخر شهدته خلال عقود. فوسائل الإعلام مكمومة والآلاف ملقون في السجن لأسباب سياسية. كذلك تغرق سورية في صراع فوضوي سيكون المنتصرون فيه على الأرجح الأسد والقاعدة، مع رفضهما كليهما التفاوض. أما الإسرائيليون والفلسطينيون، فازدادوا تباعدا عما كانوا عليه في مطلع القرن في سعيهم للتوصل إلى تسوية. وتهدد الشروط المطروحة لعقد صفقة مع إيران بإحداث شرخ كبير بين الولايات المتحدة وعدد من أقرب حلفائها.

يثير هذا سؤالا مهما: هل يصدق كيري حقا خطابه؟ يبدو كذلك، وخصوصا في المسألة الإسرائيلية-الفلسطينية. فبما أنه يتوق إلى صنع إرث لنفسه في نهاية مسيرته الطويلة، أقنع السيناتور السابق نفسه بأن (أ) شروط التسوية واضحة، و(ب) بأنه يتمتع بالمهارات السياسية الضرورية ليقنع نتانياهو وعباس بالقبول بها. وعلى غرار الرئيس أوباما، يبدو كيري أيضا مقتنعا بأن التخفيف من التوتر، إن لم نقل التوصل إلى "صفقة كبرى"، بين الولايات المتحدة وإيران ممكن، شرط أن يجلس الأشخاص المناسبون (أمثاله) إلى الطاولة.

تُعتبر مواقف كيري الأخرى نتيجة منطقية لقرار أوباما تحجيم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. فقد قرر أوباما في نهاية الصيف حصر نشاط الولايات المتحدة بـ"المصالح الأساسية" التي لا تشمل الدفاع عن الديمقراطية، أو منع الكوارث الإنسانية، أو إنهاء "حرب أهلية في بلد آخر". نتيجة لذلك، ما عاد أمام كيري، الذي سعى سابقاً إلى تسليح المعارضة كوسيلة "لتبديل حسابات الأسد"، موارد كثيرة غير حض روسيا وإيران على تحقيق ما ترفض الولايات المتحدة القيام به.

ونظراً إلى إعلان أوباما أن التعاون الأميركي مع الجيش المصري سيتواصل، على كيري أن يدّعي أن الجنرالات ينشرون الديمقراطية، على أمل أن يفهموا الإشارة.

إذا تحقق أي من أحلام كيري، فلا شك في أن العالم سيصبح مكانا أفضل. لذلك آمل أن يكون المشككون مثلي على خطأ. ولكن إن كانوا محقين، فلا شك في أننا سنتذكر وزير الخارجية الأميركي هذا بصفته الأخرق الذي خدع نفسه. وسيكون على خلفه العمل بكد ليُصلح ما سيرثه من فوضى.

* جاكسون ديهل | Jackson Diehl

back to top