«اليهود» لغوستاف لوبون في طبعة جديدة... صورة مغايرة تكسر التقليد الغربي

نشر في 25-11-2013 | 00:01
آخر تحديث 25-11-2013 | 00:01
No Image Caption
صدر حديثاً عن دار «الجمل» كتاب «اليهود... في تاريخ الحضارات الأولى»، للفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون. ترجمة الفلسطيني عادل زعيتر.
عام 1889، أخرج لوبون كتاباً ضخماً سمّاه «الحضارات الأولى»، وكان خاصاً بقدماء المصريين والكلدانيين والآشوريين، لكن الاكتشافات وأعمال الحفر في مصر والعراق قلبت معارفنا في حضارات تلك الأمم وبالتالي فإن ما في الكتاب أصبح محتاجاً إلى إعادة نظر وتجديد وفقاً للاكتشافات الأثرية الحديثة.

غير أن كتاب «الحضارات الأولى» يشتمل على جزء صغير بالغ الخطورة خاص باليهود، ففي هذا الجزء تحرر لوبون من نير التقاليد الموروثة في الغرب، فانتهى إلى نتائج مهمة للغاية، تفيد أنه لم تكن لليهود فنون ولا علوم ولا صناعة، ولا أي شيء تقوم به حضارة، واليهود لم يأتوا قط بأي مساعدة مهما صغرت في المعارف البشرية، ولم يجاوزوا قط مرحلة الأمم شبه المتوحشة التي ليس لها تاريخ.

 يضيف لوبون أن قدماء اليهود لم يجاوزوا الحضارة السفلى التي لا تكاد تُميز من طور الوحشية، وعندما خرج هؤلاء البدويون الذين لا أثر للثقافة فيهم من باديتهم ليستقروا في فلسطين وجدوا أنفسهم أمام أمم قوية متمدنة منذ زمن طويل فكان أمرهم كأمر جميع الأعراق الدنيا التي تكون في أحوال مماثلة، فلم يقتبسوا من تلك الأمم سوى أسوأ ما في حضارتها، أي لم يقتبسوا غير عيوبها وعاداتها الضارية وخرافاتها.

حضارة صفر

يقر لوبون بأن تأثير اليهود في تاريخ الحضارة صفر... واليهود لم يستحقوا بأي وجه أن يُعدوا من الأمم المتمدنة. فاليهود ظلوا حتى في عهد ملوكهم، بدويين أفاقين مفاجئين مغِيرين سفاكين مولعين بقطاعهم مندفعين في الخصام الوحشي، فإذا ما بلغ الجهد منهم ركنوا إلى خيال رخيص تائهة أبصارهم في الفضاء كسالى خالين من الفكر كأنعامهم التي يحرسونها.

فيما خص اليهود وفلسطين، يستبعد لوبون أن تكون فلسطين وطناً لهم. فأرض الميعاد، لم تكن إلا بيئة مختلفة لليهود، البادية كانت موطنهم الأصلي. فلا يوجد شعب عَطل من الذوق الفني كما عطِل اليهود، فهيكلهم المشهور (هيكل سليمان) أقيم على الطراز الآشوري من بنائين من الأجانب. ولم تكن قصور هذا الملك غير نسخ دنيئة عن القصور المصرية أو الآشورية. كذلك يعتبر لوبون ألا أثر للرحمة في وحشية اليهود، فكان الذبح المنظم يعقب كل فتح مهما قل، وكان الأهالي الأصليون يوقَفون فيُحكم عليهم بالقتل دفعة واحدة، وكان التحريق والسلب يلازمان سفك الدماء.

ويلخص لوبون مزاج اليهود النفسي بأنه ظل قريباً جداً من حال أشد الوحوش ابتدائية على الدوام، فقد كان اليهود عُنُداً مندفعين غفلاً سذجاً جفاة كالوحوش والأطفال، وكانوا عاطلين، مع ذلك، من الفتون الذي يتجلى فيه سحر صبا الناس والشعوب، واليهود الهمج إذا وُجدوا من فورهم مغمورين في الحضارة الآسيوية المسنة الناعمة المفسدة أضحوا ذوي معايب مع بقائهم جاهلين، واليهود أضاعوا خلال البادية من غير أن ينالوا شيئاً من النمو الذهني التي هو تراث القرون.

واليهود مع عطلهم من الفن والصناعة عطلاً تاماً يجد لهم لوبون آداباً غنية، لكنه يعتبر أن تلك الظاهرة ليست خاصة ببني إسرائيل فقط، فهي تشاهد لدى جميع الأمم السامية، لا سيما العرب الذين كانوا قبل الإسلام ذوي شعر بعيد الصيت حقاً. على أن الشعر، مع الموسيقى، فن جميع الأمم الفطرية، تجده يضيق أهمية وتأثيراً كلما ارتقت الأمم، فقد اقتضت الحضارة قروناً طويلة لاختراع الآلة البخارية واكتشاف سنن الجاذبية مع إمكان ظهور قصائد كالأوذيسة والإلياذة وأغاني أوسيان في أدوار الجاهلية.

يلفت لوبون إلى أن الشريعة اليهودية بأسرها ليست إلا وجهاً بسيطاً للنظام الكلداني، وأن معتقدات اليهود هي من أساطير البابليين المعقدة التي لم ينتحلها عالم الغرب المتمدن إلا بعد أن تحولت بمرورها من خلال روح الساميين البسيطة، وقد تطورت هذه المعتقدات في الغرب تطوراً ابتعدت به عن أصولها فأخذت شكلاً لا يكاد يمت إلى السامية بصلة.

وقائع

يبحث لوبون في وقائع اليهود فيجدها هزيلة لحمتها المشاغبات وسداها ضروب التوحش والمنكرات، فهي حوادث تافهة لا يعنى بها التاريخ، وإذا ما عُني بها التاريخ فلأسباب مستقلة عن أهميتها، ومن ذلك أن حصار عصابة من البرابرة لمدينة طروادة الصغيرة الاستيلاء عليها قبل الميلاد باثني عشر قرناً مما غدا حادثاً ذا بال في تاريخ العالم، لأن أوميروس تغنى بها، لا من أجل نتائجه.

في الكتاب يذهب لوبون إلى أن بني إسرائيل كانوا من الساميين، أي من العرق الذي كان ينتسب إليه الآشوريون والعرب، ولكن بني إسرائيل قد اكتسبوا بانفصالهم من ذلك العرق تلك المساوئ التي وجدها لوبون فيهم، فظل العرب بريئين من مثلها. يتابع لوبون، ألا شك من أن الشبه قليل بين العربي أيام حضارته واليهودي الذي عرف منذ قرون بالنفاق والجبن والبخل والطمع، وأن من الإهانة للعربي أن يقاس باليهودي. وأن العربي، مع إقراره لليهودي بالقرابة، أول من يحمر وجهه خجلاً منها. فتاريخ اليهود الكئيب لم يكن غير قصة لضروب المنكرات وأنه لا أثر للرحمة في وحشية اليهود، مع أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا ديناً سمحاً مثل دينهم. فمبدأ اليهود كما في سفر يشوع: “أهلكوا جميع ما في المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف، وأحرقوا المدينة وجميع ما فيها بالنار”، بينما مبدأ العرب جاء في وصية أبي بكر لجيشه: “لا تخونوا ولا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة إلا لمأكلة”.

back to top