مواجهة عدو جديد
حين أعلن أبو بكر البغدادي إقامة دولته الإسلامية الإرهابية، تجاهل بذلك تحذير أسامة بن لادن الذي دعا إلى تجنب إقامة دولة الخلافة بسرعة مفرطة، ومن خلال إطلاق هذه الموجة التدميرية في العراق وسورية قام البغدادي بتوحيد أعدائه ومنحهم هدفاً ليهاجموه، تماماً كما توقع بن لادن.يبدو أن حملة سفك الدماء التي أطلقها البغدادي حققت المستحيل: فهو وفر خصماً مشتركاً للسعوديين والإيرانيين ولأتراك والأكراد، وقد حشد عدداً كبيراً من السياسيين العراقيين السُّنة والشيعة والأكراد وراء حكومة جديدة شاملة، كما أجبر الرئيس أوباما المتردد على التحرك والسماح بشن ضربات جوية على "أهداف عسكرية محدودة" في العراق.
قد يدوم الاعتداء المضاد الذي بدأ نهاية الأسبوع الماضي ضد "الدولة الإسلامية" "طوال أشهر أو حتى سنوات"، وفق العبارة المبهمة التي استعملها المسؤولون الأميركيون والعراقيون، وستكون القوة الأميركية أساسية في هذه الحملة، لكن كان أوباما محقاً يوم الاثنين حين حذر قائلاً: "ما من حل عسكري أميركي للأزمة الكبرى في العراق".في مقابلة مسجلة مع مجموعة "آسبن" الاستراتيجية، أعلن الزعيم الكردي مسعود برزاني يوم الاثنين، خلال اجتماع حضرتُه لمناقشة مسائل السياسة الخارجية: "إنها الفرصة الأخيرة للعراق. صحيح أننا نحتاج إلى دعمكم العسكري (في إشارة إلى الضربات الجوية والمستشارين الذين سمح أوباما بإرسالهم)، لكننا لن نطلب منكم مطلقاً أن تنشروا قوات ميدانية للمحاربة بدلاً عنا".يجب أن يفهم أوباما أن الولايات المتحدة عادت إلى أخطر مستنقع في العالم، فقد يسعى إلى تنفيذ تدخل عسكري محدود، لكن يمكن أن تردّ عليه "الدولة الإسلامية" بقيادة البغدادي، فهي ستستعمل الانتحاريين ضد الأهداف الأميركية في أي مكان تراه مناسباً، وستحاول مع حلفائها مهاجمة الأراضي الأميركية، وما بدأ في نهاية الأسبوع الماضي على شكل محاولة لإنقاذ اللاجئين العراقيين على قمة أحد الجبال سيتوسع في المرحلة اللاحقة على الأرجح.لقد تدخل أوباما بحذر شديد في هذه المعركة، فوفر الإمدادات الإنسانية ثم قصف مواقع "الدولة الإسلامية" واستهدف المواكب، في مقابلة مع توم فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز"، حث العراق على الالتزام بمبدأ "لا غالب ولا مغلوب". إنها دعوة منطقية للتسوية، لكنها لم تكن تتماشى مع تفسير الرئيس الذي اعتبر أنه استعمل القوة الأميركية في العراق وسط ظروف "تنذر بارتكاب إبادة جماعية".ربما تقضي استراتيجية أوباما بمنع "الدولة الإسلامية" من مهاجمة الغرب، من خلال التركيز على الدفاع عن الموظفين الأميركيين وإنقاذ العراقيين، فضلاً عن التهديد بشن اعتداءات ضخمة بطائرات بلا طيار وتنفيذ اغتيالات مستهدَفة عند تجاوز الخط الأحمر الذي حدده، لكنّ ردع الإرهابيين هو مسار محفوف بالمخاطر لأنه يتوقف على منطق تفكيرهم. إذا أراد أوباما أن يوجه رسالة مفادها أنه جدي بشأن مساعدة الحكومة العراقية الجديدة، فيجب أن يفكر بإرسال الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس والسفير السابق راين كروكر (هما على الأرجح الأميركيان اللذان يعرفان العراق أكثر من أي شخص آخر) إلى بغداد كمبعوثَين خاصين له.حدد أوباما الخطوط العريضة للعودة الأميركية إلى العراق من خلال التشديد على أن الولايات المتحدة ستستعمل قوتها دعماً لحكومة عراقية شاملة تتوحد لمحاربة "الدولة الإسلامية". عملياً، سيعني ذلك تسليح الميليشيات التي تحارب تحت راية العراق، بما في ذلك "البشميركة" و"الحرس الوطني" السني الجديد الذي أوصى به كبار القادة السُّنة في مقابلة مختلفة جرت مع مجموعة "آسبن" الاستراتيجية عشية يوم الأحد.شرح أحد القادة العراقيين: "في البداية، كان السُّنة متعاطفين جداً مع "الدولة الإسلامية" باعتبارها تدافع عن السُّنة، لكنهم يعتبرونها الآن نسخة من "القاعدة" كونها تفجر المساجد وتقتل الناس"، وقال مسؤول سني آخر: "هم أعداء الجميع".هذا النفور من "الدولة الإسلامية" هو ما حذر منه بن لادن إذا شوهد أتباعه وهم يقتلون المسلمين في خضم محاولتهم الاستيلاء على السلطة. في وثيقة وُجدت في أبوت آباد، باكستان، بعد مقتله في عام 2011، حذر بن لادن من أن "تلك المناورات الخطيرة قد تجعلنا نفوز ببعض المعارك ولكنها ستجعلنا نخسر الحرب في النهاية".ظن بن لادن أن اليمن هو أقرب بلد يمكن أن يعلن فيه مناصروه دولة الخلافة لكنه كان يشعر بالقلق من أن يطبقوا الخطة في مرحلة أبكر مما يجب. ذكرت رسالة لم يُحدَّد تاريخها وربما كتبها بن لادن: "نريد... إقامة دولة إسلامية لكن يجب أن نتأكد أولاً من أننا نملك الإمكانات اللازمة للسيطرة عليها. صحيح أننا استطعنا إجهاد وإضعاف أعظم أعدائنا عسكرياً واقتصادياً قبل وبعد [11 سبتمبر 2001]، لكن لا يزال العدو يتمتع بالقدرة على إسقاط أي دولة نؤسسها".لم يستطع البغدادي أن ينتظر لفترة أطول، فاستولى مقاتلوه بكل وحشية على قلب العراق السني، وسنرى الآن إذا كانت توقعات بن لادن بشأن القوة الأميركية صحيحة.* ديفيد إغناتيوس | David Ignatius