كان الزيبق، ابن حسن راس الغول} كبير مقدمي الدرك في مصر، الذي قتله الكلبي، في الحلقة السابقة، وكان الكلبي لا يعلم أنه سيواجه انتقاماً من شاب أتقن فنون الزعر هو الزيبق، الذي تربى على يدي {سالم} وأصبح شاباً يافعاً يجيد فنون القتال والحيلة والملاعيب ببراعة، ولا يريد سوى أن يستعيد منصب {قائد الدرك} من يد الظالم، صلاح الدين الكلبي، قاتل أبيه.

Ad

خَرَج {علي} إلى السوق ذات صباح، قاصداً خراطاً، طلب منه أن يعمل له دبوساً لا يحمله إلا كل جبارٍ عَنيد، فأخذه وسار حتَّى مرَّ بجامعٍ صغير، وكان يوم الجمعة، فما وجد أحداً، فقصد خادم الجامع وسأله:

- مالي لا أرى أحداً يصلي واليوم جمعة؟

 فأجابه: {الناس يزدرون هذا الجامع لأنه صغير، وهم يقصدون الجامع الكبير}، فوقف الزيبق على الباب، يدعو مَن يمر من هناك قائلاً:

- ادخلوا وصلوا في هذا الجامع، والذي يخالف كلامي فقد ألقى نفسَه في الهلاك!

وهكذا أجبر الزيبق خمسة وعشرين رجلاً على دخول المسجد، فلما فرغوا من الصلاة وعزموا على الخروج، وقف على الباب متهجماً وقال لهم: لا سبيل لكم أن تخرجوا من هذا المكان إلا ويعطيني كل واحد منكم درهماً، وقد فعل المصلون ذلك غاضبين، وذهب بعضهم بالخبر إلى مقدم الدرك، {صلاح الدين الكلبي}.

قال صاحب السيرة، إنه لما بلغ المقدم صلاح الدين، طرفٌ من أخبار الزيبق، لأن ذكره قد شاع، عزم على قتله، مثلما قتل أباه، لأنه خاف منه، أخذ الكلبي عشرة أنفار من جماعة الزعر، وسار بهم قاصداً ذلك الجامع، ولما وصل، لم يجد غير الخادم، فسأله:

- أين الغلام الذي تمرد على القوم؟ فرد الخادم: {وحياة رأسك يا مولاي، إني لا أعرفه إلا في هذا اليوم}، فعاد إلى الزعر وطلب منهم أن يبحثوا عنه ويقبضوا عليه، لكي يُلحقه بأبيه، فبدأوا في التفتيش عليه ليلاً ونهاراً.

أما الزيبق، فكان كل يوم يطوف شوارع مصر، ليعرف أخبار الزعر، إلى أن كان يوم الجمعة، فأرسل صلاح الدين رجلين إلى الجامع، ليكمنا في زاوية، وهما في زي التجار، ليقبضا على الزيبق، ولما جاء الزيبق ووقف على باب الجامع، ليفعل ما سبق أن فعله، حين أجبر الناس على دخول المسجد ودفع الدراهم، لمح الرجلين، فقال في نفسه: {لا بد لي من أن أنكبهما في هذا النهار وأريهما جميع الشطارة}، وما كان قصده طمعاً في المال، غير أنه كان يرغب في أن يشتهر ذكره عند صلاح الدين وبقية الزعر.

 ابتعد الزيبق عن الجامع قليلاً، وصار كلما مرّ إنسان يقول له: {ادخل صل في هذا الجامع}، فصارت الناس تدخل بين عاص وطائع، وعند انقضاء الصلاة وقف على باب الجامع وقال:

- لا يخرج إلا الذي يدفع لي مقدار درهم.

وما كاد ينتهي من كلامه حتى انطبق عليه الرجلان من الشمال واليمين، ليقبضا عليه ويسوقاه إلى صلاح الدين، فهجم عليهما هجمة الأسد، وضرب أحدهما بعصاه، فقلبه على قفاه، ثم مال على الآخر، مسكه بين أكتافه، ورفعه فوق رأسه وضربه ضربة ثانية، كادت تكون القاضية، ثم جرَّهما من ثيابهما وقال: {اذهبا واعلما مقدمكما الأحمق بما رأيتما من فعال الزيبق}.

وأما {الأزعران} فعادا على أعقابهما، حتى أتيا مقدمهما صلاح الدين عريانين، فقال لهما: {ما الذي دهاكما؟!}

فقالا: {ظفرنا بالزيبق وكنا قد طمعنا فيه لما رأيناه وصبرنا عليه قليلاً حتى أخذ في جباية المال، فتقدمنا إليه لنقبض عليه، ولم يخطر لنا على بال أن له همة الأسد، فانثنى علينا وضربنا بالعصا واحداً بعد واحد، فألقانا على الأرض وجردنا من ثيابنا، وقال لنا: اذهبا وأخبرا مقدمكما بما حدث!}

فلما سمع صلاح الدين الكلبي، مقالهما تأوه وأرسل بعضاً من المقدمين على رأس جماعة من الزعر، وطلب منهم التفتيش والقبض على الزيبق، فامتثلوا لأمره وهم يدمدمون كالأسود الضارية، وكان الزيبق طلب البيت ودخل إلى البستان، واتخذ له فيه مكاناً ووضع ما يحتاج إليه من الثياب المختلفة الألوان.

وفي اليوم التالي، خرج الزيبق إلى السوق في زي تاجر، وهو يستعد لحيلة جديدة لصلاح الدين، واتفق أن خرج صلاح الدين في ذلك النهار مع جماعة، فجال قليلاً في السوق ثم قصد باب البلد، وإذا بجماعة من الفلاحين قد أقبلوا عليه ومعهم عجل سمين، كان صلاح الدين {حوَّل} عليهم بعض رجاله في طلب الضرائب، ولعلمهم أن المقدم صلاح الدين يحب الهدية والبرطيل، جاءوا إليه بعجل وتعهدوا دفع المال بعد شهر.

 قبل صلاح الدين العجل، ثم قفل راجعاً إلى قاعته، وقد سلم العجل إلى أزعر من جماعته، فالتقى بهم الزيبق في الطريق فعرفهم، وتمشى وراءهم حتى قاربهم من حيث لا يراه أحد، فقطع رسن العجل وهرب به، وحين علم صلاح الدين طار الشرار من عينيه، وصمم على أن يبحث عن العجل بنفسه.

طباخ {الكلبي}

خَلَعَ صلاح الدين ما عليه من الثياب، وارتدى زي التجار {المترفَّهين} وسار في السوق، وكان الزيبق، لما أخذ العجل سلمه إلى دلال في السوق وأمره أن يبيعه له ووقف قريباً منه، إلى أن أقبل صلاح الدين فوجد العجل في يد الدلال، وقد بلغ ثمنه خمسة عشر ريالاً، فزاد في ثمنه حتى صار خمسة وعشرين، فصاح الدلال على صاحب العجل فحضر الزيبق، الذي لم يعرف الكلبي المُتخفّي، في زي التجار {المُرفَّهين}.

وكان قصد صلاح الدين أن يعمل عليه حيلة ويقبض عليه، فتبعه الزيبق وهو يقود العجل حتى وصل به صلاح الدين إلى باب كبير، وكان ذلك الباب يوصل إلى جملة أسواق وحارات، فقال صلاح في نفسه: {إن أخذته إلى قاعة الزعر يعرف أنها حيلة عليه فيبادر إلى الهرب، ولكن الأوفق أن أجعله ينتظرني عند هذا الباب}، لكن ما حدث هو أن الزيبق اكتشف أنه ينتظر {الكلبي} ورجاله، فهرب على وجه السرعة، وعاد من فوره إلى البستان.

خرج علي الزيبق، في زي أولاد التجار، قاصداً قاعة الزعر، فلما أقبل على الباب وجد رجلاً واقفاً على باب المطبخ اسمه {الأسطى رجب} ويعمل رئيساً للطباخين، فطلب علي منه عملاً فقال له: {تخدم عندي وأنا أعطيك كل ما يرضيك؟} وكان الزيبق يتمنى أن يقفَ على أخبار صلاح الدين وجماعته، فادعى أن اسمه حسن، وحين جاء الكلبي ورجاله، أخفى {الأسطى رجب} الصبي الذي يدَّعي أن اسمه حسن، في {غرفة الحطب}، وبات يسمع أوامر الكلبي عن قرب.

بعد قليل، دخل صلاح الدين القاعة وبعض من رجاله، وجلس في صدر ذلك المكان وأمر بإحضار {الأسطى رجب}، وقال له: {اذبح هذا العجل واصنع لنا منه طعاماً لنأكل}، ثم التفت إلى المقدمين وقال:

ـ كنتُ أظن أن الزيبق من العُيَّاق، لكنني رأيته مغفلاً، لا يعرف شيئاً من العياقة، فليأتني واحد منكم بصبية تكون جميلة الصوت بديعة المنظر، لا نظير لها بين جميع نساء مدينة مصر.

وسمع الزيبق الكلام فدخل المطبخ وساعد الأسطى رجب في ذبح العجل وتقطيعه حتى فرغا منه، فوضعاه في الحلة وأضرما تحته النار، ثم غافله الزيبق وتناول صاعاً من الملح وألقاه في الحلة، وخرج من هناك حتى أتى إلى بستانه المعهود وارتدى ملابس صبية من أبهج الثياب، وعمل له نهدين وأردافاً من القطن، وزجَّج حاجبيه واكتحل، وخرج قاصداً قاعة الزعر وهو يتمايل كغصن البان.

 ثمن العجل

قال الراوي: وكان الزيبق ممشوق القوام مُهفهف الأعطاف، ضامر الكُشح، فأعجب الرجل الذي كلفه الكلبي بالبحث عن صبية جميلة بالزيبق، وقد بات صبية جميلة، فأخذها وانطلق بها حتى دخل على المقدم صلاح، فلما رآها انفتح لها قلبه، فرحّب بها غاية الترحاب، وأجلسها إلى جانبه وقال لها: {مرحباً بك يا بهجة الناظرين}.

ثم أمر بوضع سفرة الطعام، وقال للزيبق: {تفضلي {جابرينا} يا نور الصباح}، ثم مد يده إلى ذلك اللحم، وأخذ قطعة صغيرة ووضعها في فمه فالتهب حلقه من كثرة الملح وهاج عليه السعال، حتى ظن أنه اختنق، وأخذ يتقيأ كل ما في بطنه، فاستدعى {الأسطى رجب}، وقال له: {تستحق مائة سوط على هذه الغفلة، ولكن إكراماً لضيفتنا أسامحك فاذهب وأحضر لنا ما نأكله من الحلويات}، فأكلوا وجلسوا حتى العشاء، فقال صلاح للعشرة مقدمين:

- خذوا مئة أزعر وطوفوا على الزيبق جميع الأزقة وليأتِ إليَّ مكتوفاً مهاناً.

ثم دخل مع الصبية إلى القاعة، وأمرها أن تمد الفراش، فقالت: {سمعاً وطاعة}، ولما اضطجع على فراشه أمرها أن تضطجع معه، فما اضطجعت، وقالت: {إن لي عندك حسبة من المال، فادفعها لي في الحال}، فقال: {ما الحسبة التي لك عندي؟} قالت: {هي ثمن العجل الذي أخذته مني بالمكر، وأوقفتني على ذلك الباب من أول النهار إلى وقت العصر}.

.. ثم هجم الزيبق على صلاح الدين، بقلب أقوى من الحديد وقال: {ويلك! أنا العايق الجديد الذي تريد أن تقوده مكتوفاً مهاناً، فوالله إن فتحت فاك أقتلك}، فلما علم صلاح أن هذا هو الزيبق خاف واحتار وانعقد لسانه عن الصياح، وفتح الزيبق فاه وألقى فيه كتلة كبيرة مثل الكرة، وشدَّه بمنديل، حتى لا يعود يقدر على الصراخ والعويل، ثم ربط رجليه وأخذ من جيبه كيس الدنانير، وقال له: {هذه أول دفعة من ثمن العجل}، ثم أغلق عليه الباب ومضى إلى بيته.

وأما المقدمون العشرة الذين أرسلهم صلاح الدين للبحث عن الزيبق، فإنهم رجعوا بعد منتصف الليل، ووقفوا ينتظرون خروج الكلبي، ولما وصلوا طرقوا عليه الباب فما أجابهم سوى صوت الأنين، فضحكوا وهم يظنون أنه يلاعب الصبية، فصبروا ساعة وطرقوا الباب ثانية فسمعوا الأنين ذاته فدفعوا الباب ودخلوا وهم يقولون: {أما شبعت بعد يا مقدم صلاح؟!} فإذا به مكتوف اليدين ومربوط الرجلين وفمه مسدود.

وأما علي، فارتدى عند الصباح زي المماليك، وقصد القاعة ليتجسس الأخبار، فلما رأه {الأسطى رجب} قال له: {أين كنت يا ولد، افتقدتك وتكدرت لأنني ما وجدتك}، فقال: {ذهبت إلى البيت لقضاء حاجة فبلغني موت عمي، فاشتغلت بتجهيزه ودفنه}، فقال له: {أعطاك الله بعده طول العمر}، ثم أدخله إلى بيت الحطب الذي يشرف على قاعة الزعر، فتقدم من النافذة المعهودة فوجد صلاح الدين جالساً في صدر الديوان، وحوله جماعة من المقدمين والأعوان، وهم يفكرون في أمر الزيبق.

 ثم قال لهم صلاح الدين: {أريد أن أذهب اليوم إلى الحمام، غير أنني أخاف من مكائد هذا اللعين، فإنه من أخبث الشياطين}، فقالوا له: {اصبر إلى الليل ونحن نأخذ الحمام الفلاني، فتدخل أنت وتغتسل، ونكون بانتظارك في الخارج، لحراستك}، فقال الكلبي:

ـ أصبتم فيما أشرتم..

ثم أرسلوا رجلاً من الزعر إلى ذلك الحمامي يخبره بما عزم عليه صلاح الدين، ويأمره أن ينظف الحمام، ويستحضر جميع اللوازم وينتظر حتى يدخل المقدم، فيخرج إلى بيته ويقفل الباب ويأخذ المفتاح.

وأما علي فلما سمع ذلك الكلام هرب قاصداً الحمامي وخلا به، فقبض عليه وأشهر الخنجر في وجهه فأخذته الرعشة، وقال: {يا مولاي، ماذا تريد مني؟} قال: {أريد منك أن تعطيني مفتاح الحمام وتبقى أنت هذه الليلة في البيت، وإذا أتاك رسول المقدم صلاح قل له: {أرسلتُ ابن اختي إلى الحمام لأنني كنت مريضاً}، فنفَّذ الرجل خائفاً طلب الزيبق.

فضيحة في الحمَّام

ولما أقبل الليل حضر المقدم ومعه عشرة من أصحابه، فرحب بهم الزيبق وأتاهم بالفاكهة والشراب، فلما دخل صلاح إلى الحمام التفت إليهم الزيبق وقال: {مالكم لا تدخلون وتغتسلون؟!} فقالوا: {ذلك مما نحب ونستحسن ولكنه غير ممكن}.

 فلما أكثر الإلحاح عليهم، باحوا له بما في أنفسهم وحدَّثوه بقصة الزيبق، فقال لهم: {ومن يكون الزيبق حتى يخاف منه المقدم صلاح الدين الذي تخشاه العجم والعرب؟!}

 ثم أقفل باب الحمام وقال: {إن حدث لكم شيء أكون المطالب به}، ومازال بهم حتى انخدعوا ودخلوا إلى المغتسل، فلما نظرهم صلاح سألهم: {لمَ دخلتم؟} فقالوا له: {كن مطمئن القلب ولا تخف من قدوم العايق، فإنه لا يقدر أن يشق الحيطان ويدخل إلينا}، فاطمأن فكره وأذن لهم بالاغتسال.

وأما الزيبق، فعمد إلى قنديلين من الزجاج كسرهما ورشهما على البلاط، وأخذ ثياب رجال الكلبي وأمتعتهم وخرج من الحمام، فوجد حمَّاراً فقال له: {هل تؤجرني حمارك أحمل عليه الثياب وأنت تنتظرني هنا؟} فوافق الرجل، وأخذه الزيبق ووضع عليه الثياب ثم التفت إلى الرجل وقال له: {اعلم أن في هذا الحمام المقدم صلاح الدين ومعه جماعة من المقدمين فأوصيك بعد مدة من الزمن تدخل وتنادي بأعلى صوتك:

ـ {يا مقدم الدرك، غلامك علي الزيبق يسلِّم عليك ويطلب أن تحاسبه على ثاني دفعة من ثمن العجل}.

وأما ذلك الرجل فقد صبر حتى مضى الوقت المحدد، فدخل ونادى بما أمره به الزيبق، فلما سمع صلاح هذا الكلام خاف ووثب عرياناً كالمجنون، ولبس في رجليه القبقاب وخرج راكضاً حتى وصل إلى الباب فتزحلق، فانقلب على قفاه، وشك في جسمه الزجاج فصاح: {يا ويلاه}.

 ثم نادى صلاح رجاله قائلاً: {لا تخافوا، لقد زلقت على البلاط فدخل في بدني شيء كرؤوس الإبر}، فركضوا إليه وأخرجوه إلى المصطبة، وصاروا يلتقطون الشوك، وإذا هي قطع من الزجاج، وحين هدأ روعه حملوه وتوجهوا به إلى القاعة والدم ينبعث من جلده وهو يئن ويعض أصابعه أسفاً.

في اليوم التالي، ذهب الزيبق إلى المطبخ ودخل إلى بيت الحطب، واستمع إلى الكلبي يشتكي من الألم، ويطلب من جماعته أن يحضروا {شميعة} اليهودي، حتى ينقي له ما غار في جلده من الزجاج، وكان ذلك اليهودي طبيباً ماهراً، فلما سمع الزيبق قصد حارة اليهود، وسأل عن {شميعة} واختلى به وصاح فيه بصوت أرعبه وسل عليه الخنجر، قائلاً: {أريد أن تعطيني بدلة من ثيابك وعوينات وكتاباً عبرانياً ومفتاح دكانك، ولتبقَ هذا النهار في البيت، وتكتم الأمر.

أخذ {الزيبق} المفتاح، وذهب إلى دكان {شميعة} مرتدياً ملابس اليهودي وجلس أمام الدكان وصار يظهر للناس كأنه يقرأ بالعبرانية، وكان كل من يراه لا يشك أنه {شميعة} الطبيب، حتى أقبل أحد المقدمين عليه وقال: {المقدم صلاح يستدعيك حالاً}، فتوجه إلى بيت المقدم صلاح الدين الكلبي، ثم جسّ نبضه ولبس العوينات وفتح الكتاب وتبصر فيه ثم قال: {لا بأس يا سيدي، علتك خارجية، ولعلها من زجاج شك في جسمك، فأجاب الكلبي: {صدقت}.

ثم تقدَّم الزيبق ـ الذي يرتدي ملابس {شميعة} ـ وأخذ يخرج الزجاج من جسده، وطلب إخلاء القاعة من جميع رجال الكلبي، لأن نفس هؤلاء يزيد ألمه، ساعتها التفت الزيبق إلى صلاح الدين وقال له: {لقد طال الحساب، وأريد الآن أن تحاسبني على ما بقى لي عندك من المال، وهو ثمن العجل الذي لم يصلني منه إلا القليل}، فلما سمع صلاح خبر العجل ارتعدت فرائصه، وقال: {عفواً يا علي الزيبق}.

أما {الزيبق} فقد قبض الكلبي من عنقه، ثم سلّ في وجهه الخنجر وقال: {إنْ فتحتَ فاك قتلتك وجعلتك عبرة لمن اعتبر}، ثم كتفه وسد فاه وربط رجليه وأخذ جميع ثيابه وما معه من الدراهم والدنانير وقال له: {هذه ثالث دفعة من ثمن العجل}.

الحلقة الثالثة غداً

الزيبق يقتحم القلعة والكلبي يعلن الاستسلام

علي الزيبق (1 - 10) رأس الغول مات مسموماً في حضن جارية الكلبي