في خطابٍ ناريٍّ وجَّهه إلى ميليشيات حزبه، عبر شاشة عملاقة، كالعادة، تم نصبها في ساحة مدينة جبيل الجنوبية، في الذكرى الرابعة عشرة لانسحاب الإسرائيليين من الجنوب اللبناني أكد حسن نصرالله، والزبد يتطاير من شدقيه والعرق يتصبب من جبهته، أن "النظام السوري ومعه حزب الله سينتصران في الحرب الدائرة في سورية"... لكنه لم يذكر متى سيتم هذا الانتصار وقد دخلت هذه الحرب عامها الرابع ومازال هذا الانتصار "الموعود" بعيداً بُعد السماء عن الأرض.

Ad

والغريب أن "سيد المقاومة"!، الذي أدخل لبنان في فراغ رئاسي غير معروف إلى متى سيستمر، قد نسي أنه هو أول مَن بدأ تقسيم المنطقة، وأول مَن أقام إمارة طائفية مسلحة في ضاحية بيروت الجنوبية، عندما تحدث عن أن الهدف مما أسماه التآمر على تحالف المقاومة: هو تقسيمها (أي هذه المنطقة) ليس على أساس مذهبي أو طائفي أو عرقي بل على أساس إمارات وقطاعات للجماعات المسلحة.

وكان أحد كبار مستشاري قائد الثورة الإيرانية قد قال قبل أيام إن حدود إيران قد أصبحت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني، والمؤكد أن هذا المستشار عندما يقول مثل هذا الكلام فإنه يقصد "مستوطنة" حزب الله الطائفية المسلحة في ضاحية بيروت الجنوبية وفي لبنان كله... ويشهد على هذا قول حسن نصرالله في "وترياته" هذه: "نحن لا نبحث عن رئيس يحمي المقاومة... فالمقاومة هي التي تحمي الدولة والشعب والوطن والكيان، وتحمي السيادة، وتحمي الأمة"... يا لطيف! والحقيقة أن هذه المقاومة هي التي دمرت الدولة واضطهدت الشعب وأرعبته وأرهبته، وهي التي ألغت الوطن والكيان ودمَّرت السيادة وأساءت إلى الأمة.

وعندما يقول حسن نصر الله في خطابه هذا، إن نظام الأسد وحزب الله سينتصران في هذه الحرب الدائرة في سورية، فقد كان عليه أن يضيف إلى لائحة صناع هذه الانتصارات المعيبة كل الشراذم الطائفية التي تم استيرادها من العراق وأفغانستان وباكستان ومن كل حدب وصوب، ومن بينها: "فيلق القدس الإيراني، ولواء أبوالفضل العباس، وحركة النجباء، وعصائب أهل الحق، ولواء عمار بن ياسر، ولواء الحمد، وقوة الشهيد محمد باقر الحكيم، وكتائب سيد الشهداء، وأسد الله المنتصر، ولواء الإمام الحسن المُجتبى"، وكان عليه أن يتمادى في تفاخره وكبريائه وأن يذكر أن كل هذه التنظيمات شيعية، وأن كلها تضع شعار الحرس الثوري الإيراني على بيارقها وراياتها حتى بما في ذلك حزب الله اللبناني وحزب الله السوري.

وفي المقابل، باستثناء "داعش"، التي هي صناعة المخابرات الإيرانية والسورية، فإن فصائل المعارضة السورية كلها تؤكد التمسك بسورية دولة موحدة ذات سيادة، وتؤكد تآخي كل مكونات شعبها الدينية والعرقية والطائفية، كما أنها تؤكد أنها تسعى إلى استبدال هذا النظام الاستبدادي والطائفي، لا نظام الطائفة، بنظام ديمقراطي تعددي ونظام علماني لا وجود فيه لأي تدخلات خارجية ولا غلبة فيه لأي طائفة حتى بما في ذلك الطائفة السنية التي تشكل الأكثرية في هذا البلد العربي... والذي سيبقى رغم أنف إيران عربياً إلى الأبد.

لقد حول "حزب الله" ومعه كل هذه المجموعات والجماعات الطائفية والمذهبية ومعه هذا النظام السوري الذي كان ولا يزال تابعاً للولي الفقيه، هذا الصراع المحتدم في سورية من صراع سياسي إلى صراع طائفي، والأمر هنا لا يقتصر على التذرع بحماية مقام السيدة زينب وقبر حجر بن عدي، ولا بالمشاركة في الحرب التدميرية الظالمة التي تُشن على حلب بحجة الدفاع عن قريتين شيعيتين صغيرتين، ولا أيضاً برفع راية سوداء عنوانها "يا حسين" فوق مسجد عمر بن الخطاب في بلدة القصير، بل بالحديث علناً عن وصول طرف الهلال الإيراني إلى الشواطئ اللبنانية، وأيضاً بكل هذه الاستعراضات المسلحة التي ترفع صور الخميني وخامنئي في وسط غابة من رايات الحرس الثوري الإيراني، والتي دأب حسن نصرالله على تسييرها، إن في الجنوب اللبناني وإن في ضاحية بيروت الجنوبية... إنَّ هذه هي الحقيقة الأولى، أما الحقيقة الثانية فهي أنَّ التعصب الطائفي المقابل على قلته، مع أن قليله هو مجرد رد فعل معاكس على التعصب المذهبي الذي حولته إيران إلى تعصب مسلح... فإنه مرفوض ومدان وغير جائز ولا يمكن تبريره على الإطلاق بأيِّ شكل من الأشكال.