مكاشفات شيعية متأخرة حول الحرب مع «داعش»
تحذير من سيطرة مسلحي التنظيم على دجلة بعد الفرات
يتبادل المعنيون بالشأن السياسي هذه الأيام، معلومات مقتضبة رشحت عن لقاء نادر جمع رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بممثلين بارزين للأحزاب الشيعية، تحت خيمة "التحالف الوطني" الشيعي الذي بقي مجرد اسم بلا مضمون، بعد أن ظل المالكي يرفض التشاور مع أطرافه، وهي كل الأحزاب الشيعية التي أوصلته إلى السلطة في ٢٠٠٦ و٢٠١٠. لكن أسوأ الاحتمالات الميدانية في الحرب مع مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في محافظة الأنبار، يتحقق ويجبر المالكي، كما يبدو، على اللقاء بمن تجنب لقاءهم.فمن جهة، انفتحت شهية المسلحين على التحكم في المياه وأعادوا السيطرة على سد مركزي على الفرات في المسافة القليلة الفاصلة بين بغداد والفلوجة، والأخطر أن المسؤولين المحليين في نينوى شمالاً، دقوا جرس الإنذار قائلين إن في وسع المسلحين أن يتحكموا أيضاً في مياه دجلة. فقد رصد نشاطهم المكثف قرب سد الموصل، وهو أهم ناظم إروائي على دجلة في الشمال. وليس الماء وحده هو الذي يدفع ثمن ضعف السيطرة الحكومية، إذ أعلن محافظ نينوى أثيل النجيفي، مطلع الأسبوع، أن الحكومة عجزت عن حماية الفرق الهندسية التي تحاول إصلاح أنبوب النفط الاستراتيجي الذي يربط حقول كركوك بميناء جيهان التركي، ويضخ ٦٠٠ ألف برميل يومياً، لكنه متوقف منذ نحو ٥٠ يوماً لأول مرة منذ سقوط صدام حسين.
وبينما ينشغل المالكي بترشيح ٩ من عائلته إلى البرلمان، وفي خطوة غير مسبوقة أيضاً، يعترف قادة الأمن بأن المسلحين سيطروا على قرى وبلدات تحيط بسجن أبوغريب الشهير غرب بغداد، ما دفع الحكومة الاثنين، إلى إعلان إغلاقه نهائياً ونقل معتقليه إلى أماكن بديلة جنوباً، محاولة تهدئة الجمهور بأن "بغداد بخير" وهي محصنة، رغم أن نشاط المسلحين يتكثف في حزاميها الجنوبي والغربي. وسط هذه الأجواء المقلقة للجميع، والتي يدفع ثمنها السُّنة والشيعة معاً، وافق المالكي، بعد قطيعة دامت عامين، على لقائه ممثلي الأحزاب الشيعية، وكان حزيناً جداً وفق ما رشح عن بعض المصادر التي تقول إنها تتحفظ عن إعلان كل ما سمعته، نظراً إلى مأسويته؛ إذ كاشفهم المالكي، كما يبدو، بأسوأ الحقائق الميدانية، التي تتعلق بساحة العمليات الطويلة من حدود إيران حيث ديالى شرقاً، حتى حدود سورية حيث الأنبار غرباً (نحو ٨٠٠ كم)، متحدثاً بصراحة عن "خذلان أميركي" اضطره إلى الاستعانة بذخيرة إيرانية يجري تعديلها لاستخدامها في المدفعية والدبابات الأميركية، لأن الذخيرة الأميركية التي اشتراها العراق "ليست فعالة". كما اعترف المالكي، حسب المصادر، بأنه اضطر، بسبب امتناع الجيش عن القتال، إلى الاستعانة بميليشيات موالية لإيران، وعلى رأسها عناصر حركة "عصائب أهل الحق" التي يقال إن بغداد صارت منذ شهور تدفع مرتبات لنحو 50 ألف عنصر منها، رغم أن المطلعين يقولون إن هذه الحركة لا تمتلك أكثر من ٥ آلاف مقاتل مدرب يعملون على شكل سرايا خاصة خفيفة الحركة في الجبهة السورية والعراقية، وتقبض أموالاً طائلة من كل الأطراف، ما أهلها لنشر دعاية انتخابية مكلفة، حيث تترشح لاقتراع البرلمان المقرر بعد أسبوعين.نائب شيعي بارز حضر اللقاء النادر، يتساءل عما إذا كان المالكي، بمكاشفته هذه، جاء عاجزاً ليعبر بشكل تلقائي عن القلق الجماعي لزعماء الطائفة، أم أنه قصد تخويف الشيعة بالحقائق الميدانية الصريحة، واستدرار عواطفهم ليخففوا معارضتهم له وعزمهم على خلعه بعد الانتخابات.لكن النائب يقول إن المالكي، على أي حال، اعترف بأن ما حصل، مطابق للتقديرات والتحذيرات التي سمعها وخالفها، حين قال له زعماء بارزون من النجف وبغداد، إن كلفة الحرب باهظة، ودعوه إلى التمسك بالتهدئة مع باقي الأطراف لمواجهة النشاط المقلق لتنظيم "داعش" في سورية والعراق، مبيناً أن النتيجة المؤسفة نتجت عن رفض المالكي لكل المبادرات المتعقلة التي أطلقها ساسة كبار شيعة وأكراد، لاحتواء الخلاف مع الزعامات السنية.