«البكتيريا الفائقة» قد تمحو قرناً من التقدم الطبي

نشر في 23-11-2013
آخر تحديث 23-11-2013 | 00:01
تشمل استراتيجيات مكافحة ارتفاع مقاومة الميكروبات خفض الكميات الموصوفة من المضادات الحيوية للمرضى، وتحسين الأوضاع الصحية في المشافي، وتحفيز صناعة الأدوية على العمل على إنتاج مضادات حيوية جديدة وعقاقير بديلة للمضادات الحيوية نفسها.
 ذي إندبندنت   حذر خبراء بارزون من أن "البكتيريا الفائقة" المقاومة للعقاقير تمثل واحداً من أشد الأخطار في تاريخ الطب والدواء على مستوى العالم.

ويقول أطباء حكوميون في مقالة افتتاحية خاصة نشرتها المجلة الصحية "لانسيت" إن الحالات المرضية العادية الروتينية قد تصبح قاتلة "في المستقبل القريب جداً" مع تطور البكتيريا إلى نوعيات أكثر مقاومة للعقاقير التي نستخدمها ضدها. وقد تفضي هذه العملية إلى القضاء على قرن من التقدم الطبي.

ورغم أن الخطر الذي يلوح في الأفق حول مقاومة المضادات الحيوية أو المضادة للميكروبات، كان معروفاً منذ سنوات، فإن التحذير الجديد يعكس قلقاً متنامياً لهيئة الصحة الوطنية وغيرها من الأنظمة الصحية الوطنية -التي تتعرض أصلاً لضغوط شديدة بسبب تزايد أعداد المسنين- التي يتعين عليها أن تناضل من أجل التعاطي مع ازدياد أعباء وتكاليف رعاية المواطنين في "عصر ما بعد المضادات الحيوية".

وفي انعكاس صارخ لجدية التهديد قال نائب المسؤول الطبي في إنكلترا البروفسور جون واتسون: "أشعر بقلق من أنه خلال 20 عاما مقبلة إذا ذهبت إلى مستشفى من أجل عملية استبدال مفصل فخذ، فقد أُصاب بعدوى تفضي إلى مضاعفات كبيرة وموت محتمل، لأن المضادات الحيوية، ببساطة، لم تعد تعمل كما هو حالها اليوم".

يقوم الأطباء في إنكلترا بوصف نحو 35 مليون مضاد حيوي لمرضاهم كل سنة. كلما ازداد تعاطي الأدوية وتناولها تنامت قدرة البكتيريا على التطور لمقاومتها. وفي الماضي واكب تطور الأدوية تطور الميكروبات مع خط إنتاج مستمر لأنواع جديدة من المضادات الحيوية. ولكن العقاقير لم تعد مفيدة أو مثمرة ولم يتم إنتاج فئة جديدة منها منذ سنة 1987.       

وقد حذر خبراء صحة، من بينهم سالي ديفيز، في مقال في "مجلة لانسيت" من أن معدل الوفيات الناجمة عن العدوى البكتيرية "ربما يعود إلى المستويات التي شهدها مطلع القرن العشرين". وقال الخبراء "يندر أن واجه الطب الحديث مثل هذا الخطر الشديد. ومن دون المضادات الحيوية، فإن العلاج من الجراحة البسيطة إلى عمليات الزراعة الكبرى قد تصبح مستحيلة، وربما ترتفع تكلفة الرعاية الصحية مع لجوئنا إلى مضادات حيوية أحدث وأغلى، إضافة إلى تحمل أعباء البقاء فترات أطول في المشافي".

وتشمل استراتيجيات مكافحة ارتفاع مقاومة الميكروبات خفض الكميات الموصوفة من المضادات الحيوية للمرضى، وتحسين الأوضاع الصحية في المشافي، وتحفيز صناعة الأدوية على العمل على إنتاج مضادات حيوية جديدة وعقاقير بديلة للمضادات الحيوية نفسها.

على أية حال أبلغ أحد كبار الأطباء صحيفة "الإندبندنت" أن الوقت قد حان كي يتحمل الرأي العام والناس مسؤولياتهم. وقال رئيس "جمعية طبيب العائلة"، الدكتور بيتر سوينيارد، "يتعين أن تأتي التغييرات وفقاً لتوقعات المريض. ونحن في حاجة إلى ثقافة عامة تقول: ليس كل مريض في حاجة إلى حبة دواء. ونحاول جاهدين عدم تقديم وصفة طبية، لكن ذلك صعب من الناحية العملية، فالمريض لن يكون راضياً عن استشارتكم، وقد يعبر عن ذلك بعنف والتوجه إلى جهة أو مركز آخر ليحصل فيه على المضادات الحيوية من الممرضة".

وتابع د. سوينيارد قائلاً "لكن إذا دخلنا مرحلة ما بعد المضادات الحيوية، فقد نجد أن الشخص المصاب بداء الرئة لا يمكن معالجته بمضادات حيوية، وسيموت، بينما بوسعه أن يعيش في الوقت الراهن".

ويشير إلى أنه "يتعين على الناس إدراك الصلة والرابط. فإذا عالجت عدوى أذن طفل بمضادات حيوية فقد تموت أمه بمرض داء الرئة. ذلك أمر صارخ وهو بالطبع ليس مرتبطاً ارتباطاً مباشراً، لكن على مستوى تعداد السكان الإجمالي، فإن مثل تلك الرابطة والعلاقة هي ما نتحدث عنها".

لا توجد تقديرات موثوقة حول ما يمكن أن تكون عليه تكلفة تلك المقاومة للأنظمة الصحية في المستقبل، ولكن "المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض" يعتقد أن حوالي 1.5 مليار يورو سنوياً يتم إنفاقه حالياً على مشاكل صحية مرتبطة بمقاومة المضادات الحيوية في أوروبا.

تقول أستاذة اقتصاد الصحة في جامعة برمنغهام، جوانا كوست، إن مشكلة مقاومة المضادات الحيوية قد "تؤثر على طريقة عمل الأنظمة الصحية برمتها".

وأضافت البروفسورة كوست قائلة: "نحن لا نعلم حجم هذه المشكلة في المستقبل. وهي مثل المشاكل المتعلقة بالتخطيط لمواجهة الاحتباس الحراري- ونحن نعرف التكلفة الحالية، ولكننا لا نعرف كم ستكون في المستقبل. يعتمد الكثير مما نقوم به في النظام الصحي العصري على وجود المضادات الحيوية لدينا. ونحن في حاجة إليها في المعالجة الوقائية لأشخاص يتلقون معالجة كيميائية بعد إصابتهم بالسرطان. ومصدر القلق هو أن ذلك قد يحدث تغييرات كبيرة إزاء كيفية إدارتنا لنظامنا الصحي".

تستعمل المضادات الحيوية بكميات كبيرة أيضاً في الزراعة، ومزارع الأسماك وعلى الحيوانات الأليفة، وتضيف النتائج الناجمة عن التعرض البيئي إلى قضية مقاومة البكتيريا- مع مزيد من التداعيات المتعلقة بصحة الإنسان.   

يقول خبراء إن تلبية الطلب من دون زيادة المقاومة سيفرض على شركات الأدوية التوصل إلى طرق جديدة من أجل تمويل تطوير المضادات الحيوية غير المتصلة بتوقعات المبيعات الضخمة. كما أن السلطات الصحية العالمية مثل "منظمة الصحة العالمية" حذرت أيضاً من أن التوجه العالمي نحو خفض استخدام المضادات الحيوية يجب ألا يلحق الضرر بقدرة الحصول على أدوية لإنقاذ حياة البشر في الدول الأكثر فقراً.

وقال البروفسور أوتو كارس من جامعة أبسالا في السويد وأحد أبرز خبراء العالم في مجال مقاومة المضادات الحيوية في مقال في "مجلة لانسيت": "تمثل مقاومة المضادات الحيوية مشكلة بيئية معقدة لا تؤثر على الناس فحسب بل هي مرتبطة بالزراعة والبيئة أيضاً. ويتعين علينا الانتقال من مرحلة "لوم وتوبيخ" العديد من المساهمين في خلق المشكلة إلى التوصل إلى عمل سياسي راسخ والتزام بمعالجة هذا الخطر".

* Charlie Cooper

back to top