يعيش إدريس إلبا {لحظة جميلة} في مسيرته التمثيلية كما يقول. لكنّ حياته الواقعية وراء الشاشة مغايرة تماماً. خلال الصيف الماضي، مثّل إلبا في فيلم التشويق الغني بالتأثيرات الخاصة، Pacific Rim، حيث حوّل العبارة المبتذلة {سنوقف نهاية العالم!} إلى أجواء حالمة تشبه أعمال شكسبير.

Ad

على صعيد آخر، بدأ عرض الموسم الثالث من مسلسل التحقيقات البريطاني الشهير Luther على قناة «بي بي سي أميركا»، وقد فاز بفضله بجائزة «غولدن غلوب» في عام 2012. كذلك يعيد تجسيد دور «هايمدال»، حارس البوابة في أرض «أسغارد» في فيلم Thor: The Dark World. ولا ننسى تجسيده شخصية الراحل نيلسون مانديلا في Mandela: Long Walk to Freedom.

 خلال مقابلة جديدة، اعترف إلبا (41 عاماً) أنه يشعر بأنه {مُخدَّر} بسبب الانتباه الذي يلقاه والإشادة التي يحصدها. قال هذا الممثل الوسيم حديثاً أثناء تناول الغداء في فندق «موندريان» في جادة «سانسيت»: «شعوري غريب في الوقت الراهن».

ثم تابع بهدوء: {توفي والدي منذ ثمانية أو تسعة أسابيع. كان يبلغ 76 عاماً وقد مات بسبب سرطان الرئة. يجب أن أتعامل مع مشاعر الحزن التي تنتابني، فقد أثّر ذلك الحدث فيّ بعمق}.

لكن لا يريد إلبا أن يبدو وكأنه لا يهتم بوضعه المهني الناجح: {أرسم ابتسامة على وجهي وأرتدي بذلة رسمية وأتجول على السجادة الحمراء وأقوم بما يلزم في مجال عملي لأني أعلم أن والدي كان يريدني أن أفعل ذلك. كان فخوراً جداً بي}.

إلبا هو ابن وحيد وقد اعتبر والده وينستون الركيزة الأساسية للأداء الذي قدّمه. هاجر والده إلى لندن من سيراليون بينما تتحدر والدته إيفا من غانا. يقول إن والده ومانديلا كانا يتحدثان بالإيقاع نفسه في خطاباتهما مع أنهما يأتيان من بلدين إفريقيين مختلفين. برزت نقاط تشابه أخرى في سلوكهما، بدءاً من طريقة شبك الساقين وصولاً إلى شبك الأصابع أثناء الكلام، ما ساعده كثيراً على إعادة إحياء شخصية مانديلا: {كان شعر والدي كثيفاً ورمادياً مثل مانديلا تماماً، لذا كنت أعتبره الإطار الذي أنطلق منه لتقديم أدائي}.

جاذبية عالية

يتمتع إلبا بجاذبية عالية عند مقابلته شخصياً كما على الشاشة، وقد أثار إعجاب الجمهور الأميركي للمرة الأولى في عام 2002 بفضل أدائه المبهر في دور سترينغر بيل، مدير شبكة لتهريب المخدرات في بالتيمور، في مسلسل The Wire الذي عُرض على قناة {إتش بي أو} (HBO) وفاز بجوائز.

خلال العقد الماضي، ظهر الممثل في أفلام ومسلسلات تلفزيونية متعددة، من بينها The Office على قناة {إن بي سي} (NBC)، وفيلم Daddy’s Little Girls الدرامي للمخرج تايلر بيري في عام 2001، فضلاً عن فيلم American Gangster للمخرج ريدلي سكوت في عام 2007 وفيلم  Prometheusفي عام 2012.

كذلك يعمل كمُشغّل موسيقى (DJ) ليلاً. قال إلبا: {وظّفوني بسبب الموسيقى المتطورة التي أشغّلها. إنه مجال مختلف جداً عن هذا العالم. لا أحد يهتم هناك بهويتي حين أبدأ بتشغيل الموسيقى. إنه شعور رائع. إنه جانب من إبداعي الخاص ولا يمكن أن أتخلى عنه}.

إلبا مغنٍ وشاعر غنائي وقد سجل لتوه ألبوماً في جنوب إفريقيا واستوحاه من تجربة تصوير الفيلم في ذلك البلد: {تعكس هذه الموسيقى شخصيات معينة. إنها المرة الأولى التي أمزج فيها بين الموسيقى وما أفعله في الأفلام}.

تردد في قبول الدور

في البداية، تردد إلبا الذي يؤدي دور مانديلا منذ عمر العشرين وصولاً إلى أواخر السبعين في قبول دور ذلك الناشط المعارِض للتمييز العنصري والمحامي الذي يمضي 27 سنة في السجن قبل أن يصبح أول رئيس منتخَب ديمقراطياً في البلاد.

لم يشعر بأنه أصغر من أن يؤدي ذلك الدور فحسب، بل أن بشرته كانت داكنة أكثر من مانديلا بأربع درجات كما يقول إلبا. لكن شعر المخرج جاستن شادويك بأن إلبا يستطيع أداء الدور.

قال شادويك في رسالة إلكترونية: {إلبا ممثل بارع ويتقمص الدور بالكامل. تخيّل المنتجون أنني سأختار نجماً من هوليوود، لكني فضّلتُ إدريس لأنه لا يحمل أي بقايا من الشخصيات السابقة إلى الدور الجديد. لم نكن نبحث عن شخص يشبهه من الخارج، بل أردنا أن نجسّد روح ذلك الرجل}.

أضاف شادويك: {إلبا رجل شهم فعلاً وهو ودود وسخي جداً. كذلك لا يخشى شيئاً. وهكذا كان الناس يصفون مانديلا الشاب أمامي}.

مخاوف كثيرة

يتذكر الممثل أنه تكلم مع شادويك عن الدور حين كان يصور فيلم Pacific Rim في تورنتو. قال إلبا بلكنته البريطانية القوية والشعبية: {جلس معي وراقبني وأنا أعمل وتحدثنا لفترات طويلة، ثم بدأتُ أقتنع بالفكرة. لكني كنت مرتعباً بالفعل. فكرتُ بأنني إذا أفسدت هذا الدور فلن أعمل مجدداً!}.

لكن سرعان ما تبدد معظم مخاوفه حين قابل ناعومي هاريس التي تؤدي دور زوجة مانديلا الثانية، ويني، تلك العاملة الاجتماعية الشابة والساذجة التي تتحول إلى مناضلة شجاعة.

قال إلبا: {كانت الكيمياء بيننا على الشاشة مذهلة. كنت أرى أمامي ويني ونيلسون وليس ناعومي وأنا. يبدو الحب بينهما حقيقياً جداً}.

لم يحصل إلبا على فرصة مقابلة مانديلا الذي توفي أخيراً عن عمر يناهز الخامسة والتسعين، لكنه أصبح مقرباً من عائلته. خلال عرض الفيلم الأول في الشهر الماضي في جنوب إفريقيا، نادته ابنة مانديلا، زينزدي، {تعالَ إلى هنا يا أبي!}، كي يتصورا معاً.

أصر إلبا على أن يمضي ليلة في إحدى الزنزنات الصغيرة التي تفتقر إلى أدنى مظاهر الإنسانية في جزيرة روبن، حيث أمضى مانديلا 18 سنة في السجن. تحوّل المكان الآن إلى متحف. رفض المسؤولون طلبه مرات عدة، فشعر بالإحباط. حتى إنه فكر بافتعال شجار في إحدى الحانات كي يتمكن من تمضية ليلة في السجن. لكن سمح له المسؤولون في جزيرة روبن أخيراً بالبقاء في زنزانة {العقاب}. قال إلبا: {حين تكون محتجزاً في تلك الغرفة، تشعر بالعجز التام. كنت محظوظاً لأنني أمضيت هناك 24 ساعة فقط. لكن كانت التجربة مفيدة لوضع الأداء في سياقه الصحيح ولتجسيد حالته النفسية التي سمحت له بتحمّل ذلك الوضع طوال تلك الفترة}.

أكد شادويك على أنه كان مقتنعاً منذ البداية بأن إلبا سيكون {متألقاً} بدور مانديلا الشاب: {لكن كان التحدي الحقيقي يكمن في تجسيد مانديلا الأكبر سناً بالصورة التي يعرفها الجميع. بما أن الأفلام المستقلة لا تستفيد من ميزانيات عالية، اضطررنا إلى التصرف بحذر عند استعمال الموارد المتوافرة... وقد اضطررنا إلى تصوير المشاهد من دون اتباع تسلسل الأحداث الزمني}.

اضطر إلبا في يوم واحد إلى التحول سريعاً من مانديلا في عمر الأربعين إلى مانديلا المُسنّ في عمر السبعين. أضاف شادويك: {كانت طريقة مَشْيَته ولغة جسمه تخطفان الأنفاس. أصبح مانديلا فعلاً!}.