طائر الفينيق الذي يسعى إلى «تجميل» البطالة الأميركية
• «الرائد» لا يريد توظيف العاطلين... بل إخفاءهم• طرحه يحول «العاطلين الجدد» إلى «طويلي الأمد» ويؤثر في الجودة
لا يرتكز طرح رند غياض، الذي وصفته التقارير بطائر الفينيق الذي غير مفهوم الأزمة الأميركية، على توظيف العاطلين عن العمل، بل إخفاءهم، فالمشكلة، من وجهة نظره، إحصائية لا اقتصادية، فهو لا يسعى إلى القضاء على البطالة، بل «تجميلها».عنونت الكثير من الصحف العربية والغربية مؤخرا وضع اللبناني رند غياض هيكلية جديدة للحد من مشكلة البطالة في أسواق العمل الأميركية، بـ«ستار» الاقتصاد الأميركي، و«بيونير»، أي «الرائد» الذي قد يسهم في حل مشكلة البطالة هناك، ونقلت شهادات العديد من الاقتصاديين على أطروحته أن غياض فهم أسباب بقاء معدلات البطالة مرتفعة، ومن ثم قُبل دكتور الاقتصاد اللبناني، الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره، ابن بلدة شبعا الجنوبية، كباحث زائر في البنك الاحتياطي الفدرالي في بوسطن ثم كمستشار له.وكما جاء في تقارير صحافية، انفرد غياض بوضع هيكلية جديدة للحد من مشكلة البطالة في أسواق العمل الأميركية، ونشرت دراسته في عدد من الصحف الأميركية والأوروبية بعدما تمكن من إقناع كبار رجال الاقتصاد في الكونغرس الأميركي بالسبب الرئيسي لتفاقم أزمة البطالة.مؤتمرات اقتصاديةوتنقل بين واشنطن ونيويورك وبوسطن طارحا أفكاره في العديد من المؤتمرات الاقتصادية، أبرزها في صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، والمصرف المركزي الأميركي، حيث لقبه بول كروغمان بالشاب الذي غيّر مفهوم الأزمة الأميركية. ولقبته صحيفة بزنس انسايدر بـ«بيونير»، أي الرائد، وبيتر ديموند الحائز جائزة نوبل في 2012، لقبه بـ«ستار».وتصدرت أبحاثه صحف «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»، وغيرهما من وسائل الإعلام الأميركية، وخصص المصرف المركزي الأميركي في بوسطن له مركزا ليتمكن من توسيع أبحاثه والعمل على تطبيقها.وفي 28 الماضي، استدعي غياض إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما ومستشاريه ووزراء العمل والتجارة، حيث عملوا على وضع قانون جديد يحض الشركات الأميركية على تخصيص نسبة معينة من وظائفها الشاغرة للذين خسروا وظائفهم نتيجة الأزمة المالية عام 2007، وطرح خريطة جديدة لإنعاش الاقتصاد الأميركي ترتكز على الأبحاث التي قدّمها رند غياض لفريق عمل الرئيس أوباما.وعن الأزمة الأميركية قال غياض: «رغم أن الولايات المتحدة أعلنت رسميا قبل أربعة اعوام، وتحديدا في يونيو 2009 انتهاء حالة الركود، فإن تعافي الإنتاج لايزال متباطئا. وفي المقابل، فإن تعافي عملية تفريخ الوظائف لايزال ليس له وجود، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بوتيرة عالية، واختلفت النظريات الاقتصادية حول السبب الرئيسي لهذه الكارثة ما دفع الولايات المتحدة إلى صرف أموال هائلة على مشاريع كان الهدف منها خلق وظائف جديدة للحد من تفاقم أزمة البطالة». إنعاش الاقتصادوأضاف غياض: «خلال السنتين الماضيتين، تفرغت لدراسة أزمة الاقتصاد الأميركي والبحث عن خطة لإنعاش الاقتصاد من جديد، وتبين من الأبحاث التي أجريتها ان الطلب البطيء على الأيدي العاملة (وتحديدا على أولئك الذين انقطعوا عن العمل لفترة تزيد على 27 أسبوعا) هو وراء حالة الكساد الحالية».وتابع ان «الإحصاءات تشير إلى أن 40 في المئة من العاطلين عن العمل (نحو 6 ملايين عاطل تقريبا) انقطعوا عن العمل فترة تزيد على 27 أسبوعا، وجرت العادة على أن تبلغ البطالة طويلة الأمد أقل من واحد من خمسة من العدد الشامل. فالبطالة المزمنة تضعف مهارات العمال والفنيين وتحبط تطلعاتهم للبحث عن أعمال جديدة».وأضاف: «حاول الرئيس باراك أوباما أن يتقدم بطلب إلى الكونغرس بتقديم مزايا معينة لهذه الفئة، لكن طلبه قوبل بالرفض الشهر الماضي من الحزب الجمهوري. وفي بداية هذا العام، تمكنت بالاشتراك مع عدد من مستشاري أوباما في البيت الأبيض من وضع خطة جديدة تتضمن العديد من المبادرات التي لا يتطلب تنفيذها أي موافقة من قبل الكونغرس، لتحسين الوضع الاقتصادي والحد من أزمة البطالة التي تحاول أميركا الخروج منها تدريجياً منذ بداية عام 2009».ولفت الى انه «يجدر الذكر أن الخطة هي في موضع التنفيذ، وتمكنا حتى الآن من جمع 300 شركة، من ضمنها أكبر 50 شركة في البلاد، وحثها على الالتزام بالمساعدة في توظيف الطبقة التي تعاني من البطالة الطويلة الأمد».تمديد المساعداتواتساقا، يرتكز طرح غياض، الذي وصفته التقارير بطائر الفينيق الذي غير مفهوم الأزمة الأميركية، على ركيزتين اثنتين، أولاهما: تمديد المساعدات التي تقدمها الحكومة الأميركية للعاطلين عن العمل لتزيد على فترة الستة أشهر هي مدة الإعانة «دعم مادي وخدمات صحية»، ما يعد عبئا إضافيا على الموازنة العامة لا يقابله طرح في إطار حل الأزمة.والركيزة الثانية تتمثل في إجبار الشركات على قبول توظيف %50 من العاطلين ممن فقدوا وظائفهم منذ فترة تزيد على الستة أشهر، ما يعني قبول الشركات توظيف أعداد كثيرة ممن فقدوا مهاراتهم العملية وكفاءاتهم في ظل انقطاعهم عن العمل لفترات طويلة، كما ان توظيف أعداد من هذه الفئة سيأتي، بالطبع، على حساب نفس العدد من الفئة التي انقطعت عن العمل لفترة لا تتعدى ستة أشهر، ومن ثم سيبقى عدد العاطلين عن العمل كما هو دون تغيير. في المقابل، سيتحول «العاطلون الجدد» إلى عاطلين طويلي الأمد، ومن ثم سيفقدون مهاراتهم مع مرور الوقت، إلى أن تجبر الشركات على توظيفهم بعد ذلك، تبعا لطرح غياض، وبذلك تمتلئ الشركات بكوادر فاقدة للمهارة والكفاءة فتتأثر الجودة والإنتاجية.وإعمالا لذلك، فإن طرح «ستار» الاقتصاد الأميركي، في إطار أزمة البطالة الأميركية لا يرتكز على توظيف العاطلين عن العمل، بل على إخفائهم، عن طريق تقليص نسبة البطالة طويلة الأمد على حساب نظيرتها قصيرة الأمد، فالمشكلة، من وجهة نظر الطرح، إحصائية، لا اقتصادية، وأنه لا يسعى إلى القضاء على البطالة، بل «تجميلها»، تماماً كما تفعل الكثير من الحكومات التي تسعى إلى «تجميل» موازناتها عبر إخفاء إخفاقات أو إظهار إنجازات غير موجودة بالفعل، بما يخالف المبادئ الاقتصادية.فهل قفز إلى الأذهان عام 2004 حين تم إعلان أن اليونان لم تكن مؤهلة أبداً في يوم من الأيام للدخول في النظام النقدي الأوروبي الموحد، لأن البيانات الاقتصادية التي أعطيت للجهات الأوروبية المسؤولة تم تزويرها وأعطيت عوضاً عنها معلومات خاطئة عن صحة أداء الاقتصاد اليوناني؟ أو هل تبادر إليها ما تفعله بعض الحكومات من إدراج عوائد الخصخصة ضمن الأرقام المعلنة عن الناتج القومي بما يخالف المبادئ الاقتصادية أيضا؟يقول غياض: «عليك البحث عن شيء لفترة طويلة وأنت لا تدري ما إذا كنت ستصل إلى نتيجة أم لا»، فهل وصل غياض، بالفعل، إلى نتيجة؟ أم عليه أن يستمر في البحث؟