عمر

نشر في 23-03-2014
آخر تحديث 23-03-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري في اللقطة الأخيرة من فيلم "عمر" للمخرج هاني أبو أسعد، لا تجد القصة الحائرة مخرجا محتملا لانقاذ كل شي سوى بالرصاصة التي أطلقها بطل الفيلم عمر على رجل الأمن الاسرائيلي في لحظة مباغتة أذهلت الحضور الذي لم يكن مهيأ لنهاية كهذه. اعتمد المخرج  في نهاية الفيلم الكادر الأسود لتحل الظلمة لدقائق، وكأننا نلتقي بأنفسنا للحظات لنسأل ما الذي يحدث بالتحديد.

لا أريد أن أدخل بتفاصيل الفيلم وما يهمنى هنا هو الرسالة التي يحملها. وهي رسالة تحمل على كاهلها عبء اقناع أكثر من شريحة. صاحب القضية وهو الفلسطيني الذي يعيش الاحتلال فعلا والآخر المهاجر الذي يتفرج عليه كالبقية، الاسرائيلي المحتل المباشر والذي يحاول فرض وجوده مستخدما قوته المفرطة في التعامل مع صاحب الأرض، اليهودي البعيد عن المشهد ويؤثر فيه بشكل مباشر من خلال نفوذه المالي والاعلامي في الغرب وأميركا تحديدا، العربي الذي ابتعد عن المواجهة تقريبا لسبب أو لآخر، الغربي الذي ملأته الدعاية الاسرائيلية لتقنعه بالصورة النمطية للفلسطيني الارهابي.

لا يسمح لفيلم كهذا أن يعرض في صالات السينما التي تملكها الشركات العالمية برؤوس أموال يهودية في الغالب، وعرض الفيلم في صالة لا يحضرها غالبا الا رواد السينما الجيدة ولكن المدهش أن الحضور كان على غير العادة وربما لأول مرة أقف في دور طويل للحصول على تذكرة. كان أغلب الحضور من غير العرب الذين غابوا عن العرض تقريبا. ما حاول الفيلم تقديمه والنجاح فيه هو الابتعاد عن تجسيد الشخصية التي طغت لفترة طويلة على الانسان الفلسطيني والتى بدت تحمل ثنائية غريبة: هو شخص مضهد يدافع عن حقه ويمثل كل البياض في الذهنية العربية وبعض أنصارها، وهو الشخص الارهابي والانتحاري الذي يرفض الدولة العبرية في الذهنية الغربية المناصرة لاسرائيل.

تلك الشخصية التي كانت شبيهة بالشخصية السوداء في الأدب الافرو-أميركى الذي اعتمد على تسلط الرجل الأبيض واستعباده للأسود لتظهر الشخصية السوداء في الأرجح كشخصية بيضاء نتيجة لهذا الاضطهاد. ولم تزعزع هذه الصورة الا الروائية أليس والكر في روايتها اللون القرمزي عام 1982. كان أبو أسعد جريئا في طرح فكرة الفلسطيني الانسان الذي يحمل تناقضات أي انسان سواء كان تحت الاحتلال أو لم يكن.

في الوقت الذي يرفض عمر بطل الفيلم أن يكون عميلا للاحتلال وهو أحد ثلاثة  شبان قتلوا جنديا لم يكن يعلم أن أحد زملائه خائنا يقوم بنقل جميع تحركاتهم الى الجهة الأخرى. ما كان يطمح اليه الشاب الخائن هو الفوز بحبيبة زميله والادعاء بأنها حبلى منه وهو ما يتحقق له دون أن تظهر لنا صورته كشاب مغاير للآخرين بل هو جزء منهم. أما العميل الآخر فكانت المفارقة أن عمله كان مقابل فيزا لنيوزلندا. وكأن الرحيل عن الوطن مكافأة تستحقها العمالة.

ليس لأن الفيلم كان مرشحا للأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، وهي بالمناسبة المرة الثانية التي يترشح بها عمل لهاني أبو أسعد، وهو يستحق الأوسكار بالفعل، ولكن لأن الفيلم رسالة مهمة نجحت ولو جزئيا في تقديم صورة مختلفة لشكل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. كان ذلك دورا نجح الآخر بامتياز في العمل عليه وتقديمه وبذل المال الذي أضعناه في حسابات غبية في خلق أسطورته الوهمية في العقل الغربي. لو استطعنا أن نقدم فيلما واحدا بهذا المستوى كل عام لتغيرت صورة العربي الارهابي في ذهن الآخر. بدلا من أن نصرخ مؤقتا ونقاطع الجبنة والكولا ثم نعود عن قرارتنا بالسرعة ذاتها. يبدو أن هذا حديثا متأخرا لا طائل منه.

back to top