بينما يراهن فريق على نجاح مجلس الأمة الحالي بتركيبته في أداء دوره التشريعي والرقابي، يرى فريق آخر أن المجلس لن يكون إلا نسخة أخرى من المجالس السابقة التي عجزت عن تحقيق إصلاحات وتشريع قوانين تنموية، ولدى كل فريق ما يبرر تطلعاته الإيجابية أو توقعاته السلبية.

Ad

ولا تختلف أولويات أحد الفريقين عن الآخر، فهما يحملان الهموم ذاتها ويعيشان واقعاً "متردياً" واحداً، ويتفقان في عنوان الأزمة وتفاصيلها، لكنهما يختلفان تماماً ويسيران في خطوط متعاكسة بشأن كيفية الخروج من أجواء حالة الجمود السياسي والاقتصادي والتنموي... فهذا يرى الإصلاح من داخل المجلس طريقاً "دستورياً" للتشريع والرقابة، وذاك - وهو من قاطع الانتخابات النيابية الأخيرة - لا بديل لديه للإصلاح إلا من خارج المجلس لإسقاطه، وعبر الضغط الشعبي.

حالة الانقسام هذه، بين القوى السياسية وداخل الشارع العام، انعكست على قضية الإصلاح الشامل، فمن هو خارج إطار العمل النيابي لا يتوقف عن التشكيك في أي خطوة إيجابية يتخذها المجلس الحالي، والتقليل من قيمتها سعياً إلى إفشاله، حتى لا ينسب إليه الإصلاح. في المقابل، فإن النواب أمام سباق لتقديم إصلاحات وإن كانت جزئية لكسب ثقة الشارع بالمجلس، والرد على الجهة الأخرى المشككة في أعماله، ما يضع قضية الإصلاح - سواء في حالة الفشل أو الإنجاز - في خانة الوسيلة للرد على الطرف الآخر وليس غاية تسعى إليها كل الأطراف.

ولعل من الأهمية هنا الإشارة إلى فريق نيابي ثالث، يمثل أقلية داخل المجلس، سعى إلى التصعيد عبر تكثيف الاستجوابات مع بداية دور الانعقاد الثاني، وتصعيد خطاب المعارضة تجاه الحكومة والمجلس، بهدف استقالة الحكومة أو حل البرلمان... أو الهدفين معاً، على حساب مشروع الإصلاح.

أمام هذه الحالة التي يسيطر على قواعد لعبتها الصراع الانتخابي والتنافس السياسي، يصف المراقبون مرحلة الإصلاح المطلوبة بأنها معقدة، نظراً لتقاطع المصالح الخاصة بين جميع الفرق، وتقدمها على المصلحة العامة، أي إن جزءاً رئيسياً من تعطل أي مشروع جديد للنهوض بالدولة هو معارك السياسيين في ما بينهم، ويضيف المراقبون أن الحكومة قد يريحها "سياسياً" هذا التشتت والصراع، لكن في المقابل سيكون انعكاسه عليها سبباً في فشل تنفيذ برنامح عملها وخططها التنموية، والمجتمع لن يقبل - أو يتفهم - بهذا السبب عذراً لفشل السلطة التنفيذية في القيام بواجباتها تجاهه.

ومن يستحضر التاريخ القريب وأحداثه، يجد أن أهم المراحل السياسية والمتغيرات التي كان لها أثر في الإصلاحات لم تتحقق دون تعاون القوى السياسية، وتنسيق النواب في ما بينهم، ودعم الشارع العام لها، ولعل أبرزها قضية تعديل قانون الدوائر في 2006، فهذه التجربة تحديداً تمثل نموذجاً متكاملاً في تحقيق إصلاح نيابي من داخل المجلس، وبتعاون القوى السياسية والشارع من خارجه، ما أرغم الحكومة على قبول التعديل على النظام الانتخابي.

وتعتبر معركة نيل المرأة حقوقها السياسية نموذجاً آخر في التعاون الحكومي النيابي الشعبي، فهذا الإصلاح الذي تعطل عشرات السنين لم يكن ليتحقق لولا الزخم الشعبي الذي ساند التحرك النيابي، ودعم التوجه الحكومي ضد من كان رافضاً في حينه إعطاء المرأة حقها السياسي، علماً أن معركة حقوق المرأة كانت أصعب المعارك السياسية لارتباطها بفتاوى دينية وقواعد شرعية من الجهة المعارضة، إلا أن التعاون مكن القانون ليكون واقعاً إصلاحياً.

ويدرك فريق "الإصلاح من الداخل" أهمية وجود دعم من الشارع، يعطي الزخم الشعبي لمشاريعه وقوانينه حتى تتحول إلى واقع، بينما يقر فريق "الإصلاح من الخارج" أن كل الإصلاحات لا يمكن أن تتحقق خارج الإطار الدستوري والبرلمان الذي لا يعترف بشرعيته، أما التنافس السياسي بينهم، والتعنت في التخلص من الصراع الدائر حالياً بينهم فلن يدفع ثمنه سوى الدولة أولاً والمجتمع ثانياً.

كما يدرك الفريقان أن السلطة التنفيذية تعتبر شريكاً في العملية السياسية، وتتحمل وحدها المسؤولية الأصعب في إدارة أجهزة ومؤسسات الدولة، وإقصاء الحكومة من دائرة القرار لن يحرك عجلة الإصلاح، ومهما كانت المعارضة للحكومة - بالحق أو بالباطل - فإن قنوات التعاون لا بد أن تكون مفتوحة، دعماً لقوانين تنموية أو لوزراء توجهاتهم إصلاحية.