لا تلتفت يا صاحبي، فالروحُ

Ad

على الدربِ ماشية، ولكَ طبع

خطوات قلبِكَ على عثرات

الطريق، وأحجاره الناتئة.

لا تلتف يا صاحبي، فبينَكَ والدرب

صداقةٌ، وبينكما سرٌ،

ووجعٌ، وحلمٌ لا

يملّ يومئ إليك.

لا تلتفت يا صاحبي، فلقد تكسرت فوق

صخورِ الدربِ، جرارُ عمرِكَ، وسال

ماءُ قلبِكَ، واختلط

بالتراب.

لا تلتفت يا صاحبي، فبداية الطريق باتت

بعيدة، وحين تقفُ تحت ظل شجرةٍ، وتشخص

بعينيك لا تكاد تراها.

ضعُفَ شيءٌ في بصرك، وأكلَ غدرُ الأصدقاءِ من

عمود ظهرك، ومضّ التعبُ المُتعَب

في لحمِ قلبِك، لكنه خطوُكَ

وصحبة الدرب.

لا تلتفت يا صاحبي، فجراد العنف الأعمى فَتَكَ باخضرار

الحلمِ الأجمل، وما عاد لكَ أن تردد خلف المُغنّي: بلادُ

العُربِ أوطاني...، وما عاد لك...، ولا عاد لك.

فجراً تقرأ الجريدة، ومعها تسيلُ دمعةُ قلبِكَ

فجراد العنف الأسود، يصول ويجول

وليس لكَ إلا خطوك والدرب.

لا تلتفت يا صاحبي، فبعد ما يزيد على الخمسة والخمسين

عاماً، أنهك قولُ الحقيقةِ قلبكَ، وأنهكه أكثر إصرار

الآخر على سماعِ مديح الرياءِ، أن تكون صديقاً

كاذباً معه!

لكنه الدرب، وخطوتُكَ تطبع أثرها

على الحجر.

لا تلتفت يا صاحبي، فلقد اعتادت روحُكَ سماع

صريرِ ضحكاتِهم،

وعوّدت نفسك على قراءة كذب نظراتهم الصفراء،

وبقِيتَ تردد: جزا الله أصدقائي كلَ خيرٍ، فبسبب

ضرباتهم في الظلام، صرتُ أقوى.

وبسببهم، مازلتُ أحفرُ في الصخرِ، وكم تفجّر

الماءُ بركةً بين يدي!

لا تلتفت يا صاحبي، فالدرب ابتدأ توّاً

وأمامك الكثير، ولن يزيدك ارتفاع الجدرانِ بوجهِك

إلا خبرةً أجمل، في تجاوزها.

لا تلتفت يا صاحبي، فليس بقربك قرب، وليس

بصحبتك صاحب، وليس سوى لون

الكذب الأصفر لون!

لا تلتفت يا صاحبي، فعيون روحِكَ تبصر منْ يسير خلفك

حاملاً سكين حقده، وعيون روحك

تهمس بك: مسكين! وتردّ أنتَ عليها: مسكين!

لا تلتفت يا صاحبي، فالدرب طويل كأطول ما يكون

قِصَر العمرِ، وأنت تسير مخلّفاً نقشَ خطوِك

في الحجر!