قبل يومين عادت سيدة الى منزلها في الحي القريب من مسكني وقد اشتعلت فيه النيران، كانت تسمع صوت الكلب محاصرا في البيت ولم تصل فرقة الانقاذ بعد. دخلت المرأة وسط النيران وعجز الناس عن منعها. لم تخرج المرأة ولم يخرج الكلب واحترقا معا. كانت المرأة تدرك أنها لن تستطيع الخروج بسهولة ورغم ذلك غامرت بحياتها من أجل كلب.

Ad

في بداية هذه السنة طلبت سيدة كندية أن تنهي حياتها بعد أن وصل بها الأمر الى عدم قدرتها على تناول زجاجة الدواء من الطاولة القريبة من سريرها. رفضت السلطات الكندية، اذ ان الأخلاق المهنية لا تسمح لهم بتنفيذ طلبها فانتقلت الى أوروبا حيث تسمح القوانين باختيار المرء موته وانهاء عذابه أو ما يسمى بالموت الرحيم.

هذه قصص أناس بسطاء يرون في الموت نهاية مستحقة لحياتهم لسبب أو لآخر وأغلب هؤلاء لا تسلط عليهم الأضواء وربما يشار اليهم كخبر في نشرة محلية ولا ترسخ أسماؤهم في الذاكرة. ولا يتركون خلفهم سؤالا ما عن هذا الاختيار.

للمشاهير حكايات أخرى، ففي يوم الثاني من يوليو عام 1961 دخل ارنست همنجواي القبو حيث يضع اسلحته وبكل احتفاء ممكن بالموت أخذ أقرب البنادق الى نفسه وضع بها طلقتين ثم صعد الى مدخل المنزل ليضع فوهة البندقية في فمه ويضغط الزناد ويفجر رأسه. تم الاتصال بالطبيب الذي حضر ليؤكد أن الكاتب الشهير مات متأثرا بجراح في الرأس. لم تقبل الصحافة هذه النهاية للكاتب الكبير وأشارت الى أن الوفاة كانت حادثا عرضيا.

في يوليو أيضا وبعد عام واحد من وفاة همنجواي يصاب وليام فولكنر بحالة استياء شديدة ويشرب حتى الثمالة ليمتطي جوادا ويسقط عنه فتنكسر رقبته لكن الصحافة لا تشير الا الى الكسور التي سببها سقوطه عن الجواد.

الغريب أن ذلك لا ينطبق على المرأة ففي يوم 28 مارس من عام 1941 بعد أن أنهت فيرجينيا وولف عملها الأخير ارتدت معطفها وملأت جيوبها بالحجارة لتسقط في نهر أوز منهية رحلتها مع الكتابة والحياة.

قبل ايام أنهى الممثل الساخر الرائع روبن ويليامز حياته مشنوقا ولم تستقر الصحافة حتى الآن على سبب الوفاة، هل كان يعاني مرض باركنسون أو عاد الى حالة الادمان التى مرت به من قبل. المهم في الأمر أن الرجل اختار موته بيده.

لا أبحث الفكرة دينيا ولا فلسفيا، ولكن السؤال الأهم هو: هل هناك حالات يمكن للموت اختيارا أن يكون الحل الوحيد أما العذابات الممكنة. هؤلاء الأغنياء والأكثر شهرة يصلون الى مرحلة من التشبع بالحياة حتى تصبح لا تعني شيئا وبالامكان التنازل عنها، في حالات كثيرة لا أرى سببا يجعلنا نتوق الى الحياة في ظل هذه الانكسارات المتتالية. كل ما نعانيه في واقعنا العربي المريض أننا سمحنا للحياة أن تمسك بنا أكثر. لم ندرك أن الموت اختيارا هو الطريق الحقيقي للحياة. نحن لا ننتحر حين نطلب الموت وانما نعيش.