يعزو منتج «الخروج من القاهرة» شريف مندور ظاهرة كسر التابوهات في السينما المصرية إلى أن القيمين على جهاز الرقابة باتوا أكثر انفتاحاً ولديهم قناعة بأن المنع لن يفيد في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات، وشبكات الإنترنت المفتوحة على العالم، ووسائل التواصل الاجتماعي التي أزالت حواجز مجتمعية ضخمة، وبات بإمكان الفرد متابعة أي فيلم عبر الإنترنت بكل بساطة.

Ad

يصف قرار المنع عموماً بالسلوك الخاطئ لأنه ليس في صالح المجتمع، فيما يتيح السماح بالعرض للمشاهد إما قبول الفيلم بمتابعته أو رفضه بالانصراف عنه، ناصحاً بتعديل هذا القرار في حال خروج الفيلم عن المألوف أو العادات والتقاليد، ووضع لافتة «للكبار فقط».

يضيف أن إصراره على عرض «الخروج من القاهرة» جماهيرياً، وعدم اكتفائه بمشاركته في مهرجانات، نابعان من رغبته في أن يشاهده الجمهور ويقول: «لا أقدم فيلماً بغرض تعليبه وركنه ومشاهدته في الخفاء، بل لابتكار نوع من التواصل بين الجمهور؛ فمثلما أحب أن يعرض الفيلم في الخارج، كذلك أفضل عرضه في الداخل، لا سيما أنه حصد جوائز في مهرجانات عدة».

جهوزية المجتمع

يوضح مخرج {أسرار عائلية} هاني جرجس فوزي أنه إذا لم يتابع المبدع عمله خلال دراسة الرقابة له، ومناقشتها في الملاحظات التي تضعها حوله، وتحديد موقفه منها إما بالقبول فيتم التعديل، أو بالرفض والإصرار على عرضه كما هو، فلن يرى الفيلم الذي بذل فيه مجهوداً النور، وهو ما حدث معه.

يضيف أن المجتمع قديماً وحالياً ومستقبلا مستعد لمتابعة أنواع الأفلام المختلفة، ولا مشكلة لديه في ذلك، {لكن العقبة الحقيقية في الرقابة التي تختلف عن المجتمع؛ فمثلا لن يمنع الجمهور عرض فيلم معين، ولن يتساءل عن سبب عرضه، ويكون موقفه منه إما قبوله أو رفضه، أو عدم مشاهدته كتعبير عن رفضه لمحتواه، وهذا حق طبيعي للمشاهد، فيما الرقابة تمنع الفيلم من الأساس}.

بدوره يشير الناقد نادر عدلي إلى أن موضوعات الأفلام ليست غريبة عن مجتمعنا الشرقي الذي اعتاد مناقشتها ضمن أحداث فيلم ما، لكن أن يتم تكريس فيلم كامل يتمحور حول هذه النقاط وحدها فهذا جديد على المشاهد؛ مثل {جرسونيرة} الذي تناول العلاقة بين زانية، إن جاز لنا التعبير، وديبلوماسي.

يضيف أنه في ظل التقليدية المسيطرة على السينما المصرية وموضوعاتها المتكررة، ظهر توجه لدى المخرجين بالبحث عن أفكار لم يقترب منها أحد وكانت محظورة خلال حكم مبارك؛ لرفض الرقابة لها منذ اطلاعها على السيناريو، أي قبل تصويرها.

ويلفت إلى أن المخرجين وجدوا في السنوات الثلاث الماضية متنفساً لهم، لإمكانية عدم اعتراض الرقابة على أفلامهم أو كونها في أضعف حالاتها، أو لاختفاء سلطة سياسية تعاقب الرقيب إذا ما اتخذ قراراً بإجازة فيلم ما، {لا ننكر أن ثورة 25 يناير كانت بداية كسر شوكة الممنوعات الثلاثة الدين، والجنس، والسياسة}.

يتابع: {كون هؤلاء المخرجين جدداً يجعل من الصعب تقييم الرؤية السينمائية التي يعتمدونها في أفلامهم، وبالتالي تصبح محاولة للمغامرة، وكسب الشهرة، ولفت الأنظار}، مؤكداً أنه شاهد هذه الأفلام باستثناء {لا مؤاخذه}، ولاحظ أن مستواها محدود للغاية، وفيها سذاجة في المعالجة الفنية والموضوعية.

تغييرات فكرية

ترى الناقدة ماجدة موريس أن تغيير العلاقة بين الكتل في المجتمع جاء بفعل حدث كبير هو الثورة الذي جلب معه تغييرات فكرية من بينها، ارتفاع سقف الحريات بما يسمح للمُبدع بمناقشة الأفكار التي كانت ترفضها الرقابة، أو تلك التي كان المجتمع غير مهيأ لها، وهو بذلك وضع حداً لحساسية طرح هذه التابوهات الثلاثة، لا سيما العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.

 تعزو ذلك إلى وجود قضايا أكثر حساسية من بينها: أولاد الشوارع، الاغتصاب، التحرش، وغيرها من قضايا ظهرت بوفرة في أفلام السنوات الثلاث الأخيرة.

تضيف: {قرار العرض يحمل في طياته الجنة والنار، والعبرة في طبيعة المعالجة؛ فهي إما تؤكد أن الفيلم يثير فتنة، أو من الواجب التفكير في هذه القضية لأننا نعيش في مجتمع ونتعرض لها باستمرار. بمعنى آخر كيف قدم المبدع فيلمه؟ هل بأسلوب يحرك أسئلة ضرورية أم يسيء إلى القضية؟ وهل يدفع الناس لمشاهدة القضية من جوانبها كافة، فيتخذون قراراً أو يفكرون فيها بشكل عقلاني حريص على مصلحة الوطن والمجتمع أم يثير الفتن والتحريض؟}.