يحتاج الرئيس باراك أوباما اليوم بعد خطابه، الذي دان فيه الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بلهجة جديدة صارمة وحازمة، إلى تعزيز الحملة العسكرية بالمقدار ذاته من الجدية، ولا يعني هذا أو بالأحرى يجب ألا يعني إرسال الجنود الأميركيين إلى ساحة القتال أو اتخاذ خطوات تعكس ما يشبه حتى حرباً تقودها الولايات المتحدة.

Ad

رغم ذلك، وصف أوباما "داعش" (أحد فروع تنظيم القاعدة بات يُطلق على نفسه اليوم اسم الدولة الإسلامية) بطرق تتطلب المزيد من العمل، وستبدو غريبة لاحقاً إذا تلتها خطوات معادلة بدون أي تصعيد، فقد ذكر أوباما أن مجاهدي "داعش" المتشددين "عاثوا فساداً" في القرى العراقية والسورية، "قاتلين المدنيين الأبرياء العزل" ومعرضين النساء والأولاد "للتعذيب والاغتصاب والاستعباد". يشكل مظهرهم الديني مجرد حيلة، لأنهم "قتلوا مسلمين سنة وشيعة على حد سواء"، وذبحوا مَن ينتمون إلى أديان أخرى بدون أي تردد، بالإضافة إلى ذلك، تشكّل "الإبادة الجماعية" طموحهم المعلن، أما عقيدتهم فمفلسة لأنها لا تقدم لأتباعها أي أمر غير "الاستعباد اللامتناهي لرؤيتهم الفارغة وانهيار أي تعريف للسلوك المتحضر"، وقد أقدموا أخيراً على قطع رأس صحافي أميركي، وهو عملٌ "صدم ضمير العالم بأسره".

أشار أوباما إلى أن الأصدقاء والحلفاء حول العالم "يتشاطرون أمناً مشتركاً ومجموعة واحدة من القيم التي تتأصل في ما يُعتبر نقيض داعش"، وأضاف: "بذلت الحكومات والشعوب في الشرق الأوسط جهوداً مشتركة بغية استئصال هذا السرطان كي لا ينتشر"، وأعلن أن ثمة "أمراً واحداً نجمع عليه كلنا"، ألا وهو أن "لا مكان في القرن الحادي والعشرين" لمجموعة مثل "داعش".

كل هذا الكلام صريح وصحيح، لكن رئيس الولايات المتحدة لا يستطيع التكلم على هذا النحو ليقف بعد ذلك مكتوف اليدين دون أن يبذل جهداً "لاستئصال السرطان"، فما خطة عمل الرئيس أوباما إذاً؟ هنا ما عاد خطابه واضحاً، فقد ذكر أننا "سنقاتل" داعش، وأننا "سنقوم بكل ما هو ضروري لإحقاق العدالة"، لكننا "نقاتل" بالفعل، ونقلل من أهمية هذا القتال حين نقول إنه قتال من أجل "العدالة".

في إحدى مراحل خطابه المقلقة، غاص أوباما في كلام عاطفي، فقال متحدثاً عن متطرفي "داعش": "لا شك أن أناساً كهؤلاء يخفقون، يخفقون لأن المستقبل ملك لمن يبنون لا يهدمون". أولاً، هذا ليس صحيحاً، إذ تُظهر كتب التاريخ أن المخربين ينتصرون غالباً على البناة، ثانياً، يُعتبر هذا النوع من الكلام خطيراً: إذا كنت تصدق حقاً أن التاريخ يتبع مساراً عالمياً ما ينتصر فيه الخير دوماً على الشر، فقد تنخدع بالتفكير في أنك تستطيع الوقوف مكتوف اليدين لأن كل الأمور ستسير للخير في النهاية.

لا أظن أن أوباما يصدق حقاً المثالية التاريخية، فهو يتكلم ويتصرف دوماً كواقعي دولي، ويدرك جيداً (وأعلن ببلاغة خلال خطاب تسلمه جائزة نوبل للسلام عام 2009) أن البناة لا ينتصرون عادةً على المخربين، إلا لأنهم يقاومونهم.

منذ الثامن من أغسطس، حين أمر الرئيس للمرة الأولى بتنفيذ عمل عسكري، شن قادة أوباما 84 هجوماً جوياً ضد مواقع "داعش"، وما زال هذا العدد يكبر، صحيح أن الضربات الجوية وحدها لا تحقق الكثير، لكن الأهم في هذه الضربات أنها تزامنت مع هجمات على الأرض نفذتها القوات الخاصة العراقية، والميليشيات الشيعية، ومقاتلو البيشمركة الأكراد. فدفع هذا قوات "داعش" إلى التراجع والتخلي عن سد الموصل، وبينما راح العراقيون والأكراد يتقاتلون بعد ذلك بشأن مَن يستحق الفضل في هذا النصر، بدا مذهلاً أو ربما غير مسبوق أن يتعاونوا في حملة برية ضد عدو مشترك.

* فريد كابلان | Fred Kaplan