العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي مرت بكثير من المنحنيات، وعلى أرض الواقع هناك العديد من العراقيل التي تحول دون حصول تركيا على العضوية جعلت الأوروبيين يتخوفون من انضمامها، حتى إن البعض رأى أن الاتحاد الأوروبي سيحكم على نفسه بالانتحار إذا وافق على انضمام تركيا إليه.

Ad

ماذا يعني تأييد 46 في المئة من الناخبين البريطانيين، حسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «آي سي إم» في 19 مايو الماضي، انسحاب بلادهم من الاتحاد الأوروبي، في مقابل 30 في المئة من الناخبين يريدون بقاءها في الاتحاد؟

التفسير المباشر لنتائج ذلك الاستطلاع هو أن معظم البريطانيين يرى أن وجود المملكة داخل الاتحاد، كتكتل اقتصادي يضم اقتصادات ضعيفة نسبياً، يمثل عبئاً عليها وهي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم المالي بعد الولايات المتحدة وثالث أكبر اقتصاد في أوروبا بعد ألمانيا و فرنسا من حيث القيمة الاسمية، وهو تماماً، ما أكده رئيس وزرائها ديفيد كاميرون في خطاب له أمام مجلس العموم إذ ربط بقاء بلاده في الاتحاد الأوروبي بأن تُجرى إصلاحات عليه، خصوصا بشأن الموازنة، وأرجع كاميرون أسباب قراره بالدعوة لتنظيم الاستفتاء إلى ما سماه الامتعاض الحالي للرأي العام وخيبة أمل الناس في الاتحاد الأوروبي التي «زادت إلى حد لم يسبق له مثيل»، رائيا أنه «من دون إصلاح الاتحاد الأوروبي ومواجهة التحديات، تكمن المخاطر في أن تفشل أوروبا وأن يتجه البريطانيون نحو الخروج من الاتحاد.

إذاً، لقد أصبح موضوع الخروج على الأجندة السياسية، وباتت جهات كثيرة في بريطانيا متشككة في جدوى الاتحاد الأوروبي. ويرجع السبب الرئيس لذلك إلى تنامي المخاوف من وجود اقتصادات فقيرة تمثل عبئاً على الاقتصادات القوية داخل التكتل، وهو ما ظهر جلياً منذ انضمام رومانيا وبلغاريا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2007، وما تلاه من انضمام كرواتيا، هذا العام، رغم أزمتها الاقتصادية.

انضمام تركيا

تلك المخاوف، ذاتها، هي ما تفسر معارضة بعض الدول داخل الاتحاد الأوروبي، على رأسها ألمانيا وفرنسا، انضمام تركيا كجبهة ضعيفة أخرى داخل الاتحاد «القوي» وهي التي تصارع منذ 26 عاماً للحصول على العضوية حتى حققت جهودها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي نجاحاً كبيراً في الخامس من نوفمبر الجاري، إذ فتح الجانبان فصلاً جديداً في مفاوضات الانضمام عقب محادثات في بروكسل، سُميت بـ»نقطة تحول في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا».

لقد مرت العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي بكثير من المنحنيات، وعلى ارض الواقع هناك العديد من العراقيل التي تحول دون حصول تركيا على العضوية جعلت الأوروبيين يتخوفون من انضمامها، حتى ان البعض رأى أن الاتحاد الأوروبي سيحكم على نفسه بالانتحار إذا وافق على انضمام تركيا إليه.

فعلى الرغم من أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بدا واثقا ببلاده عندما عرض مساعدة بلاده في مواجهة الأزمة المالية في دول منطقة اليورو وقال من برلين: «نحن نقوى يوما بعد يوم وسنقدم أي مساهمة من شأنها أن تساعد في تجاوز أزمة اليورو» مؤكداً ن بلاده لن تكون عبئا على الاتحاد الأوروبي في حالة انضمامها إليه وأنها تأتي للاتحاد الأوروبي لتحمل الأعباء. رأى الكثيرون أن الدولة الواثقة الطامحة ستكون عبئاً على الاتحاد الأوروبي اقتصادياً وسياسياً وديموغرافياً.

فحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميريكية إن الاقتصاد التركي الذي كان يوما ما «ذهبيا» يعاني الآن من جميع الجهات. وأن السبب الحقيقي وراء ضعف الاقتصاد التركي هو فرار المستثمرين الأجانب من أنقرة بعد تصاعد نبرة الخطاب العدائي المتزايد تجاه رأس المال الأجنبي، فضلا عن الردود الثقيلة تجاه الاحتجاجات المناهضة للحكومة التركية وأخيرا احتمالات الضربات العسكرية ضد سورية وحديث اردوغان المستمر عن نيته في المشاركة في تلك الضربات.

سياسات أردوغان

ذات الصحيفة أشارت إلى أنه نتيجة لسياسات أردوغان الخاطئة خسر مؤشر بورصة إسطنبول ثلث قيمته وانخفضت قيمة الليرة إلى مستوى غير مسبوق وتضاعفت عائدات السندات إلى 10 في المئة، موضحة أن البنك المركزي التركي فشل في وقف الانخفاض بالرغم من إنفاق ما يقرب من 15 في المئة من احتياطي البلاد من الدولارات.

كما أن النظام الاقتصادي التركي في عهد أردوغان اعتمد على فكرة الحصول على الموارد المالية عن طريق بيع الأصول وخصخصة الشركات حتى ان الأمر وصل الى خصخصة الطرق التركية للحصول على مزيد من الموارد المالية. فقد بلغ عائد الخصخصة في الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري إلى 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى أنها قامت، في أواخر العام الماضي، ببيع أحد أكبر شركات الكهرباء لديها «بوجازيكي إيداس» التي تخدم أكثر من 4 ملايين مشترك، وذلك بنحو ملياري دولار.

أما على صعيد الميزان التجاري، فقد وصل عجزه في أبريل الماضي إلى 10.3 مليارات دولار مقارنة بـ6.6 مليارات خلال نفس الفترة من العام الماضي، بسبب تراجع الصادرات إلى 12.5 مليار دولار في نفس الشهر، بينما ارتفعت الواردات إلى 22.8 مليار. أما الدين الخارجي فقد وصل إلى 300 مليار دولار بعد أن كان 130 ملياراً في عام 2002، حسب تقديرات البنك الدولي.

وكنموذج لـ»التنمية»، فالدخل القومي للفرد التركي ليس أكثر من 10 في المئة من الدخل الفردي الإيراني، وهو لا يتعدى بنسبة 60 في المئة من الدخل الفردي اليوناني. وهذا النمو الاقتصادي له نقاط ضعف عديدة، أهمها الاعتماد على رساميل أجنبية قصيرة المدى.

أزمنة اقتصادية مزمنة

وإعمالاً لما سبق، فتركيا تعاني من أزمة اقتصادية مزمنة ومعدلات عالية للبطالة والتضخم وفقدان الليرة التركية لقيمتها بصورة مستمرة وهي أبعد ما تكون عن دولة الرفاه وبسبب سوء التخطيط والفساد الإداري والمالي الذي يسود المؤسسات التركية لم تتمكن تركيا من الاستفادة من القروض الكبيرة التي حصلت عليها من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحدة الأميركية للخروج من أزمتها الاقتصادية.

وبالتالي فان قبول تركيا كعضو جديد في الاتحاد الأوروبي يعني تمتعها بالحقوق والواجبات كافة التي تنطبق على كل عضو وبالتالي فان الاقتصاد التركي سينمو نموا كبيرا وتركيا ستكون الرابح الأكبر اقتصاديا من دخولها الاتحاد وأوروبا وقد تكون سوقا كبيرا للصادرات التركية والأيدي العاملة التركية قد تغزو مصانع ومعامل دول الاتحاد وكل تلك الحقوق والمميزات الاقتصادية التي ستظفر بها أنقرة ستكون مثار تساؤلات كثيرة لدى منظري وقادة السياسة الأوروبية حول مدى استفادة الاتحاد الأوروبي من دخول دولة ستنعم وستأخذ أكثر مما ستعطي مما يعني أن تركيا وفي نظر هؤلاء ستكون دولة لا فائدة من وجودها ولن تقدم أي منافع اقتصادية لدول وشعوب الاتحاد الأوروبي بل والعكس صحيح يمكن أن تكون عبئا عليهم.