لمَ تحتل روسيا المرتبة الأولى في معاداة الولايات المتحدة؟
ذكر برنامج عُرض أخيراً على شاشة REN-TV الروسية أن «نادي بيلدربيرغ»: «يحكم العالم بتعيين الرؤساء الأميركيين، وتحديد سعر النفط، والتحكم في كمية الدولارات التي تُطلق في الاقتصاد العالمي»، علاوة على تحويل روسيا الغنية بالنفط إلى أداة خاضعة للغرب.
يملك المروجون للكرملين سبباً وجيها ليفرحوا بنتائج استطلاع رأي دولي سنوي تعده مؤسستا "غالوب" و"وين". طرح استطلاع الرأي هذا على أكثر من 67 ألف شخص في 65 بلداً السؤال: "مَن يشكل الخطر الأكبر الذي يهدد السلام العالمي؟". وبالنظر إلى نتائج روسيا، نرى أن حملة الكرملين الدعائية المناهضة للولايات المتحدة تحقق نجاحاً كبيراً.تشير هذه الدراسة إلى أن 24% من المشاركين فيها حول العالم اعتبروا الولايات المتحدة الخطر الأكبر، ولا تشكل هذه النتائج مفاجأة لأنها تتلاءم مع نتائج العقد الماضي، إلا أن نسبة الروس، الذين ظنوا ذلك، نمت لتبلغ 54%، وتكون روسيا بذلك قد تخطت المعدل العالمي بنحو الضعفين. من اللافت للنظر أن الروس تفوقوا على الإيرانيين، الذين اعتبر 16% منهم الولايات المتحدة الخطر الأبرز، مع أن "الموت لأميركا!" ما زال شعاراً سياسياً واسع الانتشار في إيران ولا يضاهيه شعبية إلا شعار "الموت لإسرائيل!".
لكن المفاجئ حقاً أن عدد الروس، الذين يعتبرون الولايات المتحدة خطراً، يفوق العراقيين والأفغانيين بنحو الضعف، رغم أن الولايات المتحدة غزت كلا البلدين خلال العقد الماضي؛ لذلك نستخلص أن الخطر الأميركي قد يكون حقيقياً بالنسبة إلى العراق وأفغانستان، لكنه يبقى من صنع الكرملين في حالة روسيا.لا شك أن المشاعر المناهضة للولايات المتحدة كانت واسعة الانتشار في روسيا خلال حقبة ما بعد الاتحاد السوفياتي، نظراً إلى استمرار إرث الحرب الباردة، ولكن لم يسبق أن بلغت هذا الحد المرتفع.يستطيع الكرملين الاستمتاع، في حصد ثمار حملته الواسعة المناهضة للولايات المتحدة التي اعتمدت إلى حد كبير على محطات التلفزة الخاضعة لسيطرة الحكومة. ففي السنوات الأخيرة، شاهد الروس فيضاً من التقارير الإخبارية الدعائية وأفلام وثائقية بدائية تشوه الحقائق وتحمل أسماء مثل "مَن يحكم العالم؟" و"مَن يريد تفكيك روسيا؟". إليك بعض الأفكار السخيفة الأخرى التي تُروج لها تلك المحطات:• تدعم الولايات المتحدة مالياً المجموعات الفاشية والقومية المتطرفة الروسية المحلية بهدف مساعدتها في السيطرة على الكرملين. وهكذا تحصل الولايات المتحدة على عذر لترسل جنودها إلى روسيا، تطيح بالفاشيين باسم السلام العالمي، وتشكل حكومة موالية لواشنطن.• تستخدم الولايات المتحدة طائرات نقل عسكرية لإرسال أطنان من الهيرويين إلى روسيا من أفغانستان بغية زيادة عدد المدمنين الروس وانتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة (HIV) من خلال حقن ملوثة.• تدعم الولايات المتحدة بفاعلية المجموعات الإرهابية من شمال القوقاز بهدف تفكيك روسيا إلى أجزاء عدة.• ترسل شركات الأدوية الأميركية، التي تعمل لمصلحة وكالة الاستخبارات الأميركية، باستمرار لقاحات وأدوية فتاكة تسبب التشوهات للروس وتقتلهم. وقد لقي مئات الروس حتفهم نتيجة هذه المؤامرة.• تعمل الولايات المتحدة على الترويج للمثلية الجنسية ونشرها في روسيا بغية تدمير أسس هذا البلد الأرثوذكسية التقليدية بتحويل نسبة كبيرة من الروس إلى مثليين جنسيين وزيادة عدد المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة (HIV) بين الروس.• تقوض الولايات المتحدة قدرة روسيا على الردع النووي الاستراتيجي بنشر نظام دفاع صاروخي في أوروبا. • تمول الولايات المتحدة مجموعات المعارضة وقادتها كي تُشعل في روسيا ثورة شبيهة بالثورة البرتقالية. فقد جندت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية زعيم المعارضة ألكسي نافالني عام 2010، حين شارك في برنامج World Fellows التابع لجامعة ييل. قبِل نافالني بالعمل كعميل سري أميركي وترأس حركة المعارضة بهدف تنفيذ مؤامرة حاكتها الحكومة الأميركية وترمي إلى الإطاحة ببوتين وتشكيل حكومة موالية للولايات المتحدة.• يسيطر كبار العاملين في مجال المصارف والمال والصناع والسياسة والإعلام الأميركيين على نخبة "نادي بيلدربيرغ"، الهدف المفضل لمطلقي نظريات المؤامرة الروس. فقد ذكر برنامج عُرض أخيراً على شاشة REN-TV أن هذا النادي "يحكم العالم بتعيين الرؤساء الأميركيين، وتحديد سعر النفط، والتحكم في كمية الدولارات التي تُطلق في الاقتصاد العالمي". وتشمل أهداف نادي بيلدربيرغ الرئيسة تحويل روسيا الغنية بالنفط إلى أداة خاضعة للغرب.• الولايات المتحدة مسؤولة عن معظم مشاكل روسيا، بما فيها حادثة تشرنوبيل عام 1986، وانهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، ومأساة الغواصة كورسك عام 2000، وثورة جورجيا الوردية عام 2003، وثورة أوكرانيا البرتقالية عام 2004 والتظاهرات الحالية في كييف، وفيضان كريمسك عام 2012، وتحطم نموذج طائرة SuperJet في إندونيسيا عام 2012، والنيزك الذي "أرسلته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية" والذي سقط قرب مدينة تشيليابنسك السنة الماضية. في الأحوال الطبيعية، تثير نظريات المؤامرة هذه ضحك غير المعنيين بها، ولكن عندما تؤدي إلى احتلال روسيا المرتبة الأولى عالمياً في معاداة الولايات المتحدة، تؤكد قدرة الكرملين العالية والخطيرة على التلاعب بالرأي العام.لا يشكل استطلاع الرأي هذا المثال الوحيد، فقد أظهرت مؤسسة الرأي العام الموالية للكرملين في استطلاع للرأي أجرته في ديسمبر عام 2012 أن الروس يدعمون منع تبني كل الأميركيين أولاداً روساً. وقد جاء استطلاع الرأي هذا بعد حملة دعائية شاملة نفذها الكرملين وأكدت للروس أن الأغلبية العظمى من الوالدين الأميركيين، الذين يريدون تبني أولاد روس، ساديين يشتهون الأطفال ويسيئون معاملتهم.لا شك أن المشاعر المناهضة للولايات المتحدة ظاهرة عالمية. على سبيل المثال، تبدو هذه الظاهرة واضحة في فرنسا وألمانيا، ولكن في دول مماثلة، تبقى نظريات المؤامرة المناهضة للولايات المتحدة مقتصرة على عناصر مهمشة في منتديات الإنترنت، ولكن في روسيا، تحولت إلى تيار رئيس بفضل محطات التلفزة التابعة للدولة.في المقابل، يعتقد 2% فقط من الأميركيين في استطلاع مؤسسة غالوب أن روسيا تهدد السلام العالمي، ما يتلاءم مع المعدل العالمي.ينقسم المحللون الروس حول فكرة ما إذا كان معدل الـ2% هذا جيداً أو سيئاً، فيعتقد البعض أن هذه النسبة تؤكد دور روسيا الإيجابي كصانع سلام، كما لعب الكرملين دور الوسيط في خطط السلام في سورية وإيران السنة الماضية.لكن آخرين يعتبرون أن نتيجة روسيا المنخفضة، التي توازي "معدل الخوف" عينه من أستراليا، مخيبة للأمل، إذا لم تكن مشينة. يؤيد هؤلاء المحللون مفهوم العهد السوفياتي القائل: "إذا كان الآخرون يخافونك، يقدمون لك الاحترام". ويتذكرون بشجن كيف كانت الولايات المتحدة والدول الأخرى تخشى الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة.شهدت روسيا "سنة أفضل" عام 2008، بعد أن أرسل الكرملين جنوده إلى أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا خلال الحرب الروسية-الجورجية. ففي تلك السنة، ارتفعت نسبة مَن يعتبرون روسيا خطراً عالميا إلى 6%.يبرر هذا لمَ فرح الكثير من الروس المحافظين حين أعلن المرشح الرئاسي الأميركي ميت رومني أن روسيا "عدو الولايات المتحدة الأول" خلال حملته عام 2011 (ولكن من المؤسف أنه أدرك خطأه بسرعة وأوضح تعليقه هذا في غضون أيام، مشيراً إلى أن إيران تشكل تهديدا أكبر بكثير من روسيا).علاوة على ذلك، طرح استطلاع رأي "غالوب" سؤالاً آخر مثيراً للاهتمام على الروس: "إذا أتيح لكم الانتقال إلى كل البلدان حول العالم، ففي أي بلد ترغبون في العيش؟". كان الجواب: "الولايات المتحدة"، ويُظهر هذا أنه حتى الماكينة الدعائية الأقوى في العالم ما زالت محدودة في قدرتها على تشويه صورة الولايات المتحدة.Michael Bohm