نهاية محتملة للاحتباس الحراري كمشكلة استثنائية

نشر في 12-04-2014
آخر تحديث 12-04-2014 | 00:01
No Image Caption
يشير تقرير جديد صدر عن "اللجنة الأممية للتغيرات المناخية" IPCC إلى أن «استثنائية المناخ»، وهي الفكرة التي تقول إن الاحتباس الحراري يمثل مشكلة لا تماثلها واحدة أخرى، قد وصلت إلى نهاية مطافها.
 إيكونوميست في ميادين العلم يفترض أن توافر المزيد من المعلومات يفضي إلى استنتاجات أفضل وإلى إجماع أوسع. ومن المؤكد أن لدى "اللجنة الأممية للتغيرات المناخية" IPCC التي نشرت دراستها في 31 مارس الماضي المزيد من المعلومات. وقد حللت الدراسة حوالي 73000 من الأعمال المنشورة عن التغيرات المناخية (كان ربعها باللغة الصينية) ويمثل ذلك زيادة بمعدل 100 مرة خلال حوالي 30 سنة. لكن التوصل إلى إجماع بشأن حقيقة التغيرات المناخية لا يزال أمراً محيراً وبعيد المنال. كان ريتشادر تول من "جامعة ساسكس" في بريطانيا، قد تعامل مع استنتاجات التقرير وما توصل إليه باستخفاف معتبراً إياها "الفرسان الأربعة في الأساطير القديمة".

ويبدو أن النسخة النهائية اشتملت على صيغ اهتمت بالصياغة أكثر من المضمون، وتباينت بين أولئك الراغبين في عرض الحقائق كما هي في الواقع دون تهويل وآخرين يريدون إشاعة الهلع والذعر في العالم لدفعه إلى اتخاذ نوع من الإجراءات.

حدة المناخ

في كل 6 سنوات على وجه التقريب تصدر IPCC "اللجنة الأممية للتغيرات المناخية" موسوعة مكونة من ثلاثة أجزاء عن المناخ. ويمثل هذا التقرير الشريحة الثانية من أحدث جهودها. وكان الجزء الأول المتعلق بعلم تغير المناخ قد صدر في شهر سبتمبر، وهو يجادل في أن العملية تتسارع على الرغم من استقرار درجات حرارة سطح الأرض في الوقت الراهن (وهي ظاهرة يعتبرها معظم علماء المناخ بأنها تعد بمنزلة التوقف عن الاتجاه التصاعدي السابق). ويطرح هذا المجلد الثاني أسئلة حول تأثير المناخ على النظام البيئي والاقتصاد وحياة الناس والكائنات الحية على كوكب الأرض.

ويحمل التقرير عنوانا يتبنى فكرة التوازن، ويرى أن تغير المناخ يؤثر على النظام البيئي الكامل للكرة الأرضية انطلاقا من المناطق الاستوائية وصولاً إلى القطبية، ويشير إلى أنه على الرغم من وجود البعض من الفوائد في توافر مناخ أكثر دفئاً، فإن معظم التأثيرات سلبية وسوف تزداد سوءاً في المستقبل. كما أنه يتحدث عن "أحداث مناخية حادة جداً تفضي إلى انهيار في خدمات مهمة مثل الطاقة الكهربائية وإمدادات المياه والصحة والخدمات الطارئة"، وهو يدق ناقوس الخطر إزاء "انهيار أنظمة الغذاء المرتبطة بالاحتباس الحراري".

وعلى صعيد ما هو أبعد من تلك المخاوف، هناك رواية مذهلة حيث تتباين تأثيرات الاحتباس الحراري كثيراً، فالتغير المناخي يعد خطر واحد من ضمن العديد من الأخطار، كما أن الأضرار التي يسببها- وإمكان خفضها- تتوقف بالمثل على عوامل أخرى مثل الأنظمة الصحية والتنمية الريفية كما هو الحال بالنسبة إلى الاحتباس الحراري نفسه.

ما مدى سوء الوضع؟

يستعرض التقرير ثلاثة أنواع من المشكلات: النوع الأول، هو ذلك الذي يتسم بهيمنة تأثير المناخ بحيث لا يوجد تدخل بشري يؤثر في هذا الصدد ما عدا العمل على إيقاف تغييره. والثاني، يكون فيها تأثير المناخ معتدلاً ولا تكون الأخبار سيئة في المجمل. أما الثالث، فهي مشكلات تتعلق بطرق تغيير المناخ وتأثيراتها على الأنواع الطبيعية والزراعية، وهي من المنظور البشري يمكن أن تكون ذات تأثيرات جيدة وسيئة في الوقت نفسه.

ويطرح ارتفاع مستويات سطح البحر نموذجاً للنوع الأول من المشكلة. ويعني التمدد المائي في المحيطات بفعل ارتفاع درجات الحرارة أن مستوى سطح البحر الوسطي، عند المعدلات الحالية، يمكن أن يرتفع بواقع نصف متر بحلول نهاية القرن. وهذه أنباء سيئة تماماً بالنسبة إلى أولئك الذين يعيشون في المدن الساحلية- ويصل عددهم الآن إلى 271 مليون نسمة- وهو رقم قد يزداد الى 345 مليونا بحلول سنة 2050 وفقاً للتقرير السالف الذكر.

والمثل الآخر للمشكلة في النوع الأول هو حموضة مياه البحر التي تنجم عن امتصاص ماء البحر لثاني أكسيد الكربون. وهو ما يعتبره التقرير "تحدياً أساسياً للكائنات الحية البحرية والأنظمة البيئية".

هجرة الطحالب

النوع الثاني من المشكلة، والذي يكون فيه تأثير المناخ أكثر اعتدالاً ويمكن التحكم فيه بقدر أكبر، يشتمل على تأثيراته على الصحة. وعلى سبيل المثال، في عالم أكثر دفئاً يتوقع انتشار بعض الأمراض مثل الملاريا، كما أن الحرارة في حد ذاتها يمكن أن تقتل البشر، والمزيد من موجات الحر في فصل الصيف سوف يعني المزيد من الوفيات المبكرة. ولكن البرد قاتل أيضاً وسوف تنخفض أعداد الوفيات المتعلقة بالبرد- ويرى التقرير أن التأثيرات السيئة سوف تتفوق على الجيدة، لكن في كلتا الحالتين لا يشكل تأثير المناخ العنصر الحاكم في معدلات الوفاة أو انتشار الأمراض. وتعتبر معايير الصحة العامة والتغذية ذات قدر أكبر من الأهمية في هذا الصدد. كما أن مرض الملاريا لا يمكن أن يتحول إلى وباء منتشر إذا تم القضاء عليه بصورة نهائية.

والفئة الثالثة، وهي التي يقوم تغير المناخ فيها بتغيير الأنواع على نحو يكون في بعض الأحيان أكثر تعقيداً ويصعب علاجه. فعلى سبيل المثال فقد أصابت الدهشة العديد من دعاة المحافظة على البيئة لأن الاحتباس الحراري لا يبدو أنه أفضى إلى درجة كبيرة من مستويات الانقراض بين الكائنات الحية. وقد اقتصر الأمر حتى الآن على الضفادع في أميركا الوسطى.

لكن ذلك لا يعني عدم حدوث تغير. وفي البحار تهاجر الحيوانات والنباتات من المناطق الاستوائية إلى أخرى معتدلة المناخ سعياً وراء مياه أكثر برودة. والطحالب في أعماق المحيط والأعشاب البحرية تنطلق نحو القطب بسرعة تصل إلى 10 كيلومترات في كل عقد من الزمن، فيما ينطلق أبناء عمومتها من ذوي الخلية الواحدة بسرعة أكبر: 400 كيلومتر في العقد.

ونظراً لأن الطحالب هي بداية سلسلة الأطعمة البحرية فإن كل شيء آخر يتغير معها. ويقول التقرير إن النتيجة هي أن إنتاج الأسماك في المناطق المعتدلة يمكن أن يصبح أعلى بنسبة تراوح بين 30 في المئة الى 70 في المئة عمّا كان الحال عليه في سنة 2005.

وعلى النقيض فإن الإنتاج الاستوائي يمكن أن يهبط بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المئة.

وفرة الإنتاج وانخفاضه

من وجهة النظر الإنسانية، فعلى الرغم من أهمية التغيرات البيولوجية في البحار، فإن أكثر التغيرات أهمية سوف تحدث على الأرض، وسوف تتعلق في مناطق زراعة محاصيل معينة. ويطيل الطقس الأكثر دفئاً المواسم الزراعية ويتعين على المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الجو أن يحفز عملية التمثيل الضوئي. وقال تقييم سابق لـ"الجنة الأممية للتغيرات المناخية" في سنة 2007 إن إنتاج المحاصيل الرئيسية في العالم- الحبوب والأرز والذرة وفول الصويا- سوف يتحسن في الطقس المعتدل والبارد، مما سيعوض عن الهبوط في أماكن أخرى. وعلى هذا الأساس يجادل البعض في أن كمية متواضعة من الحرارة قد تكون مفيدة بالنسبة إلى الناس.

ويستخف التقرير الجديد بهذه الفكرة، وهو يؤكد أن المحاصيل الاستوائية سوف تنخفض إذا ارتفعت درجة الحرارة بنسبة 2 مئوية (وهي حتمية)، لكنه يشير إلى أن الفوائد في المناطق المعتدلة المناخ سوف تكون أقل مما كان يعتقد في السابق. والمحاصيل التي تروى بالأمطار- بعكس تلك التي تروى عن طريق الري- التي تنمو في غالب الأحيان في مناطق استوائية تستجيب إلى مستويات أعلى من ثاني أكسيد الكربون ولكن التأثير يقابل بارتفاع في درجات الحرارة. وتحب النباتات مواسم النمو الطويلة ولكن العديد منها (خصوصاً الذرة) تكره ارتفاع درجات الحرارة بشدة: وحتى التعرض ليوم واحد فوق 35 درجة مئوية وفي الوقت الخطأ من دورة حياتها يمكن أن يلحق الضرر بها. كما أن معدلات التمثيل الضوئي في الذرة والسرغوم وقصب السكر لا تستجيب للتغيرات في تركيز ثاني أكسيد الكربون كما هو الحال مع الحبوب والأرز، لذلك فإن تأثير مزيد من ثاني أكسيد الكربون على المحاصيل يلحق الضرر بها.

ويخلص التقرير الى القول إن محاصيل الحبوب في الوقت الراهن انخفضت بنسبة 2 في المئة في العقد الواحد مقارنة مع ما كان يمكن أن يحدث في غياب تغير المناخ، وقد انخفضت الذرة بنسبة 1 في المئة في العقد فيما لم يتأثر الأرز وفول الصويا. ويمكن أن يزداد هذا الوضع سوءاً بمرور الزمن. ويشير نصف الدراسات المتعلقة بمحاصيل الحبوب خلال السنوات العشر المقبلة إلى حدوث زيادة، فيما يتنبأ النصف الآخر بحدوث هبوط. وتتسم التنبؤات الخاصة بحقبة الثلاثينيات من القرن الحالي بمزيد من المخاوف حيث تتوقع حدوث هبوط بمعدل المثلين.

يفضي تقسيم تأثيرات تغير المناخ على هذا النحو إلى أفكار مختلفة حول كيفية الاستجابة المطلوبة. وتعتبر عملية الدفاع عن المدن الواطئة في مواجهة الارتفاع في مستوى سطح البحر صعبة وباهظة التكلفة، كما أن من المستحيل التكيف مع حموضة مياه البحار. والحل الأفضل من أجل معالجة هذه المشاكل يكمن في مكافحة السبب: خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وعلى أي حال فإن المشاكل في الفئة الثانية يمكن مقاربتها بطرق أخرى. وكما يقول التقرير في هذا الصدد "تتمثل الإجراءات الأكثر فعالية في خفض التعرض بالنسبة إلى الصحة في برامج تطبق وتحسن الصحة العامة الأساسية... مثل توفير المياه النظيفة"، ومثل تلك الإجراءات سوف تكون مفيدة حتى في حال عدم وجود تغير في المناخ.

تقع الفئة الثالثة في مكان ما بين الفئتين، وهي تتطلب إجراءات يتعين القيام بها على أي حال، ولكن يتوجب تكييفها بسبب المناخ. ويحاول المزارعون على الدوام تجربة نوعية جديدة من المحاصيل ولكنها يجب أن تتسم دائماً بالقدرة على مقاومة الجفاف، وهذا قد يعني الاختيار بين غايات مختلفة نظراً لوجود مبادلة في الغالب بين المحصول ومقاومة الجفاف.

تعتبر هذه المقاربة في النظر إلى المناخ جديدة بالنسبة إلى العلماء وصناع السياسة. وكان العديد منهم يفكر حتى الآن في قضية المناخ مثل مشكلة لا تشبهها أي مشكلة أخرى: تتقرر حدتها من خلال عوامل جوية مثل التفاعل بين السحب والرياح والبحار، وليست متأثرة إلى حد كبير بمشاكل "أقل أهمية" مثل التنمية الريفية، والطريقة الأفضل لمعالجتها تكمن في محاولة منعها (من خلال خفض انبعاثات غازات بيوت الدفيئة). لكن التقرير الجديد يبتعد عن هذا الأسلوب، وهو يرى في المناخ مشكلة ضمن العديد من المشاكل، كما أن حدتها وقوتها في غالب الأحيان عبر تفاعلها مع المشكلات الأخرى. وتحاول السياسات الصحيحة بصورة متكررة تقليص الأعباء- والتكيف مع التغير بدلاً من محاولة منعه. وفي هذا الصدد يشكل هذا التقرير نهاية السمة الاستثنائية للمناخ وبداية الواقعية.

back to top