أحبه أكثر من نفسي!
حين قرأت الحديث الشريف "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"، ظللت لزمن طويل أتساءل عن كيف يكون ذلك؟ كيف لي أن أتحكم في مشاعري وعاطفتي، وهي التي لا سيطرة لي عليها، لأوجهها نحو محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يبلغ الأمر أن يكون هو أحب إلي من والدي وولدي والناس أجمعين. وفي كل مرة كنت أشعر فيها بعاطفة حب جياشة نحو شخص ما، كان يشاغبني ذات التساؤل، كيف لي أن أشعر بحب أكبر من هذا نحو رسول الله، والأمر ليس بيدي وخارج عن إرادتي!وحين قرأت في الصحيح "أنه صلى الله عليه وسلم كان مع جمع من أصحابه رضي الله عنهم، بينهم عمر رضي الله عنه؛ فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء، إلا من نفسي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنه الآن- والله- لأنت أحب إلي من نفسي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر"، ظللت محتاراً، كيف أمكن عمر رضي الله عنه أن يغير مشاعره بطرفة عين، فيحب رسول الله أكثر من نفسه مباشرة وفي ذات اللحظة، لمجرد أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمره بذلك، وبقيت أشعر أن في الأمر معنى أعمق من ظاهر الحديث.
ظللت على هذه التساؤلات بيني وبين نفسي لفترة من الزمن، حتى سمعت الشيخ الشعراوي، رحمه الله في واحدة من تسجيلاته القديمة وهو يتحدث عن هذا المعنى، فأشرقت الدلالات أمام ناظري كشمس النهار. يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله: أنت تحب ابنك ولو كان غير مجتهد وبليد بعاطفتك، ولكنك تحب ابن جارك الذكي بعقلك، وتتمنى لو أن ابنك مثله في الذكاء، وحين تحضر حاجة "حلوة" ستعطيها لابنك وليس لابن جارك. والإنسان يحب الدواء المر. أيحبه بعاطفته؟ لا إنه يحبه بعقله لأن هذا الدواء المر هو الذي يأتي له بالعافية، ويسر لمن يأتي له بالدواء المر، وإن كان لا يجده في الصيدلية فسيسر كثيراً عندما يحضر له. (انتهى كلامه).هذا هو المقصود الذي أدركه عمر في ذلك الموقف مع رسول الله، وهو الذي جعله، وفي لحظة واحدة، يتغير من فكرة أنه يحب رسول الله أكثر من كل الناس، إلا من نفسه، إلى أن يحبه حتى أكثر من نفسه. إنه إدراكه معنى المقصود ألا وهو الحب العقلي.إذن فالحب الذي يستند إليه هو حالة عقلية موضوعية تقوم على أساس، وليس مجرد اختلاجات شعور يمكن لها أن تزيد أو تنقص وربما تتلاشى، كما قد تكون نشأت أول مرة دون سبب موضوعي وجيه، وبالتالي فإن حبنا لرسول الله، يجب أن يكون حباً عقلياً. إنني أحب الرسول أكثر من نفسي لأنه هو الذي هداني للإسلام فأنقذني من الظلمات إلى النور، وهو الذي أعطاني الخير كله. إذاً أنا أحبه بعقلي، بإدراكي، بإرادتي، وهذا هو الحب المستقر الراسخ ولا شيء سواه!