كانت معارضة الاتفاق الجديد بشأن برنامج إيران النووي متوقعة، لكنها تبقى محيرة رغم ذلك، إليكم ما كان سيحدث لو لم تُعقد هذه الصفقة: كانت إيران ستواصل بناء برنامجها النووي بدون أي قيود أو عمليات تفتيش.
لا داعي لأن نتخيل هذا السيناريو، فقد حدث مسبقاً، في عام 2003، اقترحت إيران على الولايات المتحدة التحاور بشأن برنامجها النووي من بين قضايا عدة، لكن إدارة بوش رفضت عرض طهران لأنها اعتقدت أن النظام الإيراني ضعيف، بعد أن أنهكته العقوبات، فظنت أنه سيستسلم أو ينهار في حال واصلت واشنطن التعامل معه بشدة.لذلك لم تُعقد أي صفقة حينذاك، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ في عام 2003، كانت إيران تشغل 160 جهاز طرد مركزياً، أما اليوم، فتملك نحو 19 ألفاً.صحيح أن إيران تخضع اليوم لعقوبات قاسية، إلا أنها كانت تواجه عقوبات قاسية في تلك الفترة أيضاً، علاوة على ذلك، قامت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والغربية مرات عدة بتخريب برنامجها النووي، ورغم ذلك، نما عدد أجهزة الطرد المركزي باطراد.تُظهر الوقائع أن إيران خلال العقد الماضي طورت دراية تقنية بالغة الخطورة في مجال الطاقة النووية، مستعينة بآلاف العلماء والخبراء، وبالنسبة إلى دولة غنية بالنفط، تُعتبر كلفة برنامج نووي بسيطة نسبياً، فتبلغ عائدات النفط الإيرانية السنوية، حتى في ظل العقوبات، نحو 69 مليار دولار، وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.إذاً، يشكل اتفاق جنيف فرصة لاختبار نوايا إيران، فرصة كان لا بد من استغلالها. صحيح أن الصين وروسيا وقعتا على عقوبات الأمم المتحدة، غير أنهما اعتبرتاها وسيلة لحمل إيران على التفاوض بجدية، وبعد أن أقدمت إيران على هذه الخطوة، فلن تواصل هاتان الدولتان دعمهما العقوبات الجزائية إلى أجل غير مسمى.أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معارضته هذه الصفقة في الحال، إلا أن كل الخطوات التي اتخذتها حكومته خلال عقد من الزمن لم تبطئ أي جزء من برنامج إيران، في حين أن صفقة جنيف جمدت معظمه وعكست أحد عناصره الأساسية: مخزون اليورانيوم المخصب إلى نسبة 20% تقريبا، فقد تعهدت طهران بتخفيف هذا المخزون أو تحويله بطريقة تحول دون تخصيبه إلى مستوى التسعين في المئة الضروري لتطوير قنبلة.تبدو مقاربة نتنياهو أشبه بالعودة إلى مقاربة بوش، فقد افترض أن إيران ستستسلم أو تنهار رغم غياب الأدلة على ذلك (لا تنسوا أن الجمهورية الإسلامية تحملت ثماني سنوات من الحرب الدامية مع العراق من دون أن تستسلم). أو ربما يظن أن ضربة عسكرية ستؤخر برنامج إيران النووي فترة كافية نشهد خلالها تغيير النظام، لكن هذه أفكار حالمة لا استراتيجية مدروسة.صحيح أن دول الخليج العربي، خصوصاً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لا تعبر علانية عن مخاوفها، إلا أننا نشعر بها بوضوح، ولكن كيف كان الامتناع عن عقد هذه الصفقة سيعالج هذه المخاوف الأمنية؟إذاً، ماذا يعلل الخطاب المعتمد والمعارضة الشديدة؟ أعتقد أن الخوف الأكبر لا يرتبط بهذه الصفقة بحد ذاتها، بل بما قد تؤدي إليه لاحقاً، يعتقد كثيرون أن هذه بداية تقرب بين الولايات المتحدة وإيران، ما قد يبدل جذرياً المشهد الجيو-سياسي الراهن، فقد تقف الولايات المتحدة إلى جانب القوى الشيعية في إيران والعراق في الانشقاق الطائفي المتنامي في المنطقة، كذلك قد يغير ذلك ميزان القوى في عالم النفط، فاحتياطات إيران تحتل المرتبة الثانية في المنطقة، بعد المملكة العربية السعودية.على أعداء إيران أن يخففوا من توترهم، فهذا اتفاق مهم، إلا أنه مجرد صفقة مؤقتة بشأن برنامج إيران النووي، فهو ليس حتى صفقة نهائية، علما أن عقد هذه الأخيرة سيكون أكثر صعوبة، كذلك لا يمهد الاتفاق المؤقت لتحالف تاريخي جديد. فلا تزال واشنطن تعارض إيران بشدة في مسائل كثيرة، من سلوك طهران العدائي تجاه إسرائيل إلى دعمها "حزب الله" وتمويلها الميليشيات العراقية، أما الجمهورية الإسلامية من جهتها، فلا تزال متمسكة بمقدار من معاداتها الولايات المتحدة، بما أن هذه تشكل مبدأ أساسيا من مبادئ وجودها، إذاً، لا يزال الخلاف كبيراً بين هذين البلدين.في عام 1972، دفعت قوى جيو-سياسية بارزة ماو تسي تونغ وريتشارد نيكسون إلى تحقيق انفصال كبير عن الماضي وتمهيد الطريق أمام عهد جديد، لكن الصفقة الإيرانية تبدو بعيدة كل البعد عن ذلك، فهي أقرب إلى معاهدة لضبط الأسلحة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، معاهدة يتوصل فيها خصمان حذران إلى قاسم مشترك.لكن المخاوف التي تثيرها هذه الصفقة المؤقتة تُظهر أن دولاً كثيرة في المنطقة اعتادت اعتبار إيران عدواً دائماً تستطيع انتقاده بشدة، مركزة بالتالي الانتباه الداخلي، معمقة الانقسامات العقائدية والطائفية، وحاصدة الدعم، وهكذا أصبحت إيران وسيلة تنظيم بالنسبة إلى الكثير في الشرق الأوسط.كان خروج إيران من العالم العصري عام 1979 قوياً وكاملاً، ما صعب عليها العثور على طريق العودة. ربما تخرج ذات يوم من عزلتها، لكننا لا نشهد اليوم تبدلاً كبيراً، بل مجرد خطوة، خطوة نحو الأمام.Fareed Zakaria
مقالات
زوبعة كبيرة في فنجان صفقة إيرانية صغيرة
05-12-2013