روسيني في أشبيلية وتدمر (2)
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
جميع الذين أسهموا في أداء الأدوار من المغنين بلغوا غاية التفوق (يمكن مراجعة الأسماء في موقع المهرجان على الإنترنت)، واحتفظت أغنيةُ روسينا "ثمة صوت الآن،/ يتردد في قلبي..."، وأغنية فيـﮔارو: "فيـﮔارو هنا، فيـﮔارو هناك..." بتألقهما، باعتبارهما أبرز أغنيتين في العمل. والإخراج لم يُقصر المغنين على خشبةِ المسرح، بل فتح لهم قاعةَ الجمهور، بما فيها من كراسٍ وممرات يؤدون فيها أدوارهم على هواهم. الأوﭙرا الثانية التي شاهدتها في اليوم التالي هي تراجيديا "أوريليانو في بالميرا"، مستوحاة من حكاية الصراع الخيالية بين الإمبراطور الروماني أوريليانو والأمير الفارسي أرساسِس، أو أرشاك، حول زنوبيا (أو الزباء) ملكة بالميرا أو تدمر السورية. وهذه الحكاية، شأنَ معظم حكايات فن الأوﭙرا، تخفي التاريخَ الكالحَ الألوان بفرشاة الفن الملونة. فالتاريخ كما نعرفه يتحدث عن زنوبيا التي حكمت بعد وفاة زوجها وقصور ابنها الصغير، وأثبتت جدارة في القيادة وتوسيع إمبراطوريتها إلى لبنان وفلسطين ومصر، واقتيدت بفعل تحديها للسطوة الرومانية أسيرةً إلى روما، بعد أن ذُبح شعبها التدمري في سورية بأمر أوريليانو، وهناك ماتت، أو أُعدمت (أو عاشت تحت رعاية المعجب أوريليانو كما تجتهد الروايات). في حين تتحدث الأوﭙرا عن قصةِ حبها المتبادل مع الأمير الفارسي وهي في غمرة انحسار سلطانها وانهزامها، وحبِّ الإمبراطور الروماني لها دون استجابة، وكيف حلّتْ رحمةُ وحكمةُ الإمبراطور على الجميع، فتركهم بسلام.خرجت إلينا زنوبيا (السوﭙرانو جيسيكا ﭙرات) على المسرح بجلال جمالها وسلطانها بصورة بالغة التأثير، ولم يكن أورليانو ولا أرساسِس أقل تأثيراً، معزَّزين بديكور يشبه لوحةً في حلم لم تختفِ فيها خشونةُ الكانفس، تتحرك داخلها الكتلُ والخطوط بلون أرضي متفاوت الدرجات.الرائع في هذا التقديم أيضاً أن مخرجَ الأوﭙرا لم يتركها تتحدث على هواها الحلو، دون أن يعرضَ لحقيقة التاريخ الدامية، فختم عالمَ الموسيقى والغناء بنص طويل على الشاشة، يُطلع الجمهور فيه على حقيقة ما فعله أورليانو بزنوبيا وبشعبها السوري، من ذبح وتنكيل.