قاتلت على الجبهة في ليبيا ومالي، واتخذت موقفا متشددا بالنسبة لسورية وغير مساوم بالنسبة لإيران، انها فرنسا التي دأبت على انتقاد الولايات المتحدة ووصفها بأنها شرطي العالم، ولكنها أصبحت الان اكثر الدول الغربية تدخلا في شؤون الدول الاخرى.

Ad

وبدأت فرنسا اتخاذ مواقف متشددة غير معتادة على الساحة الدولية في حين يضعف نفوذها على ما يبدو، ويعاني جيشها خفض ميزانيته، وتتضاءل قوتها الاقتصادية ويظهر لاعبون جدد على الساحة من بينهم قطر والهند والبرازيل.

وأظهرت فرنسا انه «في ظل حكومات مختلفة في السنوات الاخيرة، أصبحت اكثر الدول الغربية تشددا في الامور المتعلقة بالشرق الاوسط والمناطق المجاورة لها»، بحسب ما يرى حسين ايبيش المحلل في «قوة المهام الاميركية بشأن فلسطين» في واشنطن والذي يعمل على المساعدة في حل النزاع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي.

وأشارايبيش الى ان فرنسا «دفعت من اجل التدخل في ليبيا، وغزت مالي وأنقذتها، وكانت الاكثر حماسا لشن ضربات عسكرية ضد اسلحة سورية الكيماوية»،  وأضاف أنه «في الشأن الإيراني، رفضت فرنسا التوصل الى اتفاق وصفته بالأخرق».

وإبان رئاسة اليميني نيكولا ساركوزي والاشتراكي فرنسوا هولاند، اصبحت فرنسا «اكثر دول الحلف الاطلسي دفاعا عن امن ومبادئ ومصالح العالم الغربي».

وعلى مدى نحو 50 عاماً، اتبعت السياسة الخارجية الفرنسية خطوطا عريضة وضعها الرئيس الراحل شارل ديغول بعد الحرب العالمية الثانية، وأكد فيها ان فرنسا يجب ألا تعتمد على الآخرين في الساحة الدولية التي تهيمن عليها الحرب الباردة. وأبعد ديغول فرنسا عن العملاقين السوفياتي والاميركي وعن اسرائيل. واستمرت هذه السياسة في ظل رئاسة الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسو ميتران في الثمانينيات والتسعينيات، وبلغت ذروتها في 2003 عندما رفض الرئيس جاك شيراك المشاركة في غزو العراق.

وفي ذلك الوقت، دعا الجمهوريون الاميركيون الشعب الاميركي الى مقاطعة فرنسا ومنتجاتها، في حين اطلقت فرنسا على واشنطن لقب «شرطي العالم».

ولكن وبعد عشر سنوات، رحب السناتور الجمهوري المتنفذ جون ماكين بموقف فرنسا في محادثات جنيف، وبعث بتغريدة على «تويتر» قال فيها: «تعيش فرنسا».

وأشار الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» روجر كوهن الى ان الفرنسيين اصبحوا اكثر تشددا بينما اصبح الاميركيون اكثر ليونة.

وتتجلى مظاهر التغيير في رئيسين هما ساركوزي وهولاند اللذان يتبنيان سياسة خارجية اكثر تشددا من سابقيهم، ودخول جيل جديد الى وزارة الخارجية والجيش والاستخبارات.

وتريد فرنسا التعويض عن الفراغ النسبي الذي خلفته الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. فبعد عقد من الحروب التي شنها الرئيس الاميركي السابق جورج بوش في افغانستان والعراق، تبنى خلفه باراك اوباما سياسة مختلفة تقوم على سحب القوات الاميركية، وتحويل الاهتمام الى آسيا.

وأوضح مصطفى العاني المحلل في مركز الخليج للابحاث أن فرنسا تفتقر الى الموارد التي تماشي تطلعاتها السياسية، وسياستها «تظل معتمدة على السياسة الاميركية»، إلا أن رامي خوري رئيس معهد عصام فارس للسياسات العامة اكثر ايجابية ويقول انه رغم أن فرنسا لا يمكنها ان تكون لاعباً بحجم الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، «إلا انها تستطيع ان تلعب دورا اكثر ديناميكية وفعالية وإيجابية».

(باريس - أ ف ب)