الرسالة الآتية من «وول ستريت» بعد انتهاء شهر عاصف بالنسبة للأسهم هي «حافظوا على الهدوء وواصلو العمل».

Ad

لابد أن المؤمنين بالسوق الهابط يترددون في الخروج باستنتاجات تفوق الحد من نتائج شهر واحد فقط. فعلى الرغم من درجات الحرارة التي تبعث القشعريرة في العظام، والثلج الذي يهبط من هنا وهناك، فإن الربيع يومئ من بعيد، كما يقول المتفائلون دائماً وأبداً في السوق. وحين نضع أداء مؤشر ستاندارد آند بورز 500 في السياق، فإن النطاق الكامل لهبوطه في يناير لم يزد على أنه مسح المكاسب التي تحققت في آخر أسبوعين في 2013، وهي سنة شهدت هذا المؤشر المرجعي يقفز إلى الأعلى بنسبة 30 في المئة.

لكن في الوقت الذي تتجمع فيه سحب العاصفة فوق مناطق من الأسواق الناشئة، وتسجل الشركات الأميركية نمواً ضعيفاً في الإيرادات عن الربع الرابع، يجد المستثمرون أنفسهم أمام السؤال التالي: هل كان يناير مجرد مطب صغير عمل على إبطاء سرعة سوق الأسهم الصاعدة منذ خمس سنوات، أم أنه مقدمة لتحديات أكبر على شكل تقلب أكثر حدة وموجات من العزوف الملحوظ عن المخاطر؟

على رأس ذلك كله، وفي قلبه، يقع «الاحتياطي الفدرالي»، الذي أعلن الأسبوع الماضي تخفيضا آخر مقداره عشرة مليارات دولار في مشترياته من السندات، معطيا إشارة بأنه سيستمر في سحب دعم السيولة في الوقت الذي يشتد فيه ساعد الاقتصاد.

وبينما يتم تخفيض جرعة دواء السيولة الذي يقدمه البنك، يتوقع كثير من المستثمرين أن يكون هناك تطبيع في سلوك الأسهم، مما يعني بشكل أساسي نهاية الصعود المتواصل في الأسعار الذي بدأ مع تصعيد «الاحتياطي الفدرالي» برنامجه لشراء السندات في سبتمبر 2012.

ومنذ أوائل صيف ذلك العام لم يشهد مؤشر ستاندارد آند بورز 500 هذا التصحيح المعياري بنسبة 10 في المئة. هذا النوع من التراجع، مثل البستاني الذي يقلم الوردات في أواخر الشتاء من أجل تشجيع النمو الصحي في الربيع، هو ما يود المستثمرون المحترفون رؤيته هذا العام.

والمنطق وراء ذلك هو أنه بعد الاندفاع الكبير الذي سجله السوق في السنة الماضية، من شأن التراجع أن يمكن المستثمرين من «الاستفادة من الهبوط المؤقت» – وهي استراتيجية التداول التي اتسم بها الاندفاع الصعودي الكبير في الأسهم الأميركية خلال التسعينيات، خصوصاً في 1997 و1998، حين أعلنت الأسواق الناشئة حالة الطوارئ القصوى.

وإذا أيدت البيانات الاقتصادية المقبلة إيمان «الاحتياطي الفدرالي» بقوة الانتعاش، فمن المؤكد أن تراجُع يناير في سوق الأسهم سيكون على أغلب الاحتمالات قصة متواضعة. لكن الخطر في هذا السيناريو الباعث على العزاء هو أن سنوات من الأموال السهلة أدت إلى مشاعر التهاون – في الوقت الذي نشهد فيه الآثار الضارة لذلك وهي تتجسد في الأسواق الناشئة.

أما في الولايات المتحدة، فإن الصعود الهائل للأسهم الأميركية في السنوات الأخيرة قائم على استعداد المستثمرين للرهان بصورة كبيرة على أن «الاحتياطي الفدرالي» يقف وراء ظهورهم ليدعمهم، على شكل مستويات قياسية من الديون الهامشية (التي تقوم على دفع هامش بسيط للديون، وهو اسم آخر للرفع المالي). والأموال التي تم اقتراضها لشراء الأسهم بلغت 445 مليار دولار بنهاية 2013، وهي فوق المستويات التي اتسمت بها المستويات العليا للسوق في عامي 2000 و2007.

وقالت شركة الهمبرا إنفستمنت بارتنرز «إن الدين الهامشي لم يسجل أرقاماً قياسية فحسب، وإنما كان هناك أيضاً ارتفاع لا يستهان به في المستوى الإجمالي للرفع المالي». وقالت «بمجرد أن انقلبت صفحة التقويم من 2012 كان الأمر وكأن المستثمرين فجأة فقدوا جميع مشاعر الحذر ودخلوا في أكبر قدر استطاعوا الحصول عليه من مخاطر الرفع المالي».

وتشير تقديرات المؤسسة إلى أن إجمالي أرقام الدين الهامشي في السنة الماضية قفز إلى رقم يكاد يكون غير معقول بلغ 123 مليار دولار، في حين أن أرصدة الأموال النقدية تراجعت إلى 19 مليار دولار. «هذا الرهان البالغ 142 مليار دولار من ديون الرفع المالي على الأسهم يفوق أي فترة مدتها 12 شهراً في التاريخ».

وكما شهدنا جميعاً أثناء الأزمة المالية، ما عمل فعلاً على تغيير الهزة السوقية الخفيفة إلى أمر يبلغ حد الهلع هو المستويات المفرطة من القروض، أو الرفع المالي، التي أكرهت المستثمرين على التقليص السريع لمقتنياتهم. والشراء على الهامش يؤثر في الاتجاهين، بمعنى أنه يستطيع أن يدفع أسعار الأصول إلى أعلى بصورة حادة، وفي الوقت نفسه يضاعف الانحدار في السوق.

ويقول راس كويستريتش، كبير المحللين الاستراتيجيين للأسهم في بلاك روك، «إن المستوى العالي من الديون الهامشية يعكس مدى التهاون بين كثير من المستثمرين الداخلين في السنة الجديدة، وهذا يعتبر دائماً علامة على وجود مرض معين.

والتدفقات الداخلة الهائلة في الصناديق المتداوَلة في البورصة في السنوات الأخيرة من المتوقع لها أن تشهد انعكاساً نادراً في يناير. وهذا النوع من الصناديق يجد هوى لدى مستثمري التجزئة وصناديق التحوط، وبالتالي هي مقياس لحركات الأموال السريعة. وفي الفترة الأخيرة كانت هناك تدفقات خارجة ملموسة من السلال الاستثمارية المعروفة التي تقتفي أداء مؤشر ستاندارد آند بورز 500 ومؤشر ناسداك ومؤشر راسل 2000 للشركات ذات الرسملة الصغيرة.

وإذا حدثت موجة قوية من المطالبات بتسديد تبعات الديون الهامشية وارتفاع التدفقات الخارجة من الصناديق المتداوَلة في البورصة، فيمكن بكل سهولة أن تتغذى هذه الظاهرة على نفسها، وهناك احتمال كبير لأن تستثير انزلاقاً تصحيحياً في الأسهم أقوى بكثير مما يتوقعه المستثمرون.

* (فايننشيال تايمز)