لو قلنا عام 2008 إن إدارة سوزان رايس، وجون كيري، وباراك أوباما ترفض تحريك ساكن، في حين يتعمد حاكم مستبد تجويع أكثر من ربع مليون شخص من شعبه، لما صدقنا أحد. دان هؤلاء الثلاثة إدارة بوش لأنها سمحت بتجويع الناس في دارفور، وشددوا على ضرورة التدخل.

Ad

نشهد اليوم كارثة إنسانية مماثلة في سورية، فالقوات الموالية لبشار الأسد تحاصر نحو 290 ألف شخص قرب دمشق، وقد بدأ هؤلاء المواطنون يموتون جوعا، وفق مسؤولي الأمم المتحدة.

صحيح أن عدد مَن قضوا في سورية أقل ممن لقوا حتفهم في منطقة درافور في السودان، إلا أن حصيلة القتلى تخطت المئة ألف، كذلك تشرد عدد كبير من السوريين: فقد هرب أكثر من مليونين (10% من السكان) من سورية، في حين هُجر ملايين آخرون داخل سورية.

صحيح أن إدارة أوباما تقدم المساعدات للاجئين، إلا أنها لم تقدِم على أي خطوة لمساعدة الناس في الداخل. فكيف يُعقل ذلك؟

إليكم بعض التفسيرات المحتملة.

لا تعلم الإدارة ماذا يحدث.

قبل سبعة أسابيع، استنكر وزير الخارجية الأميركي كيري في مقال تحليل "حرب التجويع التي يشنها الأسد"، وأتى في هذا المقال على ذكر "تقارير عن حالات سوء تغذية حادة في مناطق واسعة من سورية تعاني حصار النظام... مخاطر "جيل مفقود" من الأولاد السوريين الذين يعانون الصدمات، واليتم، والمجاعة بسبب هذه الحرب الوحشية... فقد منع النظام بطريقة مدروسة نقل شحنات الغذاء إلى مناطق استراتيجية، ما أدى إلى ارتفاع حصيلة الموتى والبؤس".

إذاً، لا يمكننا اعتبار الجهل المبرر.

تشهد سورية حرباً أهلية، لا كارثة إنسانية.

صحيح أنها حرب أهلية، إلا أن كلا طرفيها يمارس أعمالاً بربرية. نعم، الوضع معقد، وأوباما محق في قوله إن التسوية السياسية وحدها تنهي الصراع.

لكن كل هذا انطبق أيضاً على دارفور، فلم تقتنع آنذاك سوزان رايس، التي أصبحت اليوم مستشارة أوباما للأمم القومي، بضرورة وضع الاعتبارات الإنسانية جانباً، في حين كان السفراء يحاولون إطلاق عملية التفاوض. ذكرت رايس أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي عام 2007: "تحتاج الدبلوماسية إلى الوقت. يجب أن تكون أولوية الولايات المتحدة الرئيسة في دارفور وقف المعاناة والقتل وتحقيق هذا الهدف بسرعة... ينبغي أن يسير كلا الجهدين جنباً إلى جنب، إلا أن وقف عمليات القتل الجماعي يجب أن يشكل المهمة الأكثر إلحاحاً".

ما بيدنا حيلة.

لا يريد أحد إرسال الجنود الأميركيين إلى سورية، كما لم يفكر أحد في إرسال الجنود الأميركيين إلى دارفور.

لكن رايس أدركت كثرة الخيارات الممكنة والمتاحة، فقد ذكرت في مقال تحليلي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" عام 2004: "قد يشمل عمل عسكري مماثل عمليات إنزال جوية، وفرض منطقة حظر جوي لحماية المدنيين من قصف الحكومة، وإقامة مناطق إنسانية آمنة، وتوفير الأمن للشحنات الضرورية التي تُنقل بالقطار أو براً".

وإذا طلبت رايس ورئيسها من وزارة الدفاع الأميركية طرح خيارات تساهم في إنقاذ السوريين من المجاعة، فلا شك أن الوزارة ستقدم خيارات عدة. قد لا تتمكن هذه الخيارات من إنقاذ الجميع، إلا أنها ستنقذ بالتأكيد الآلاف، وستكون ممكنة وقليلة الكلفة.

يُعتبر تحرك الولايات المتحدة غير مشروع من دون موافقة الأمم المتحدة، وستعمد روسيا إلى عرقلة موافقة الأمم المتحدة.

كتبت رايس عام 2006 بالتعاون مع كاتبين آخرين: "قد يكون هذا صحيحاً. لكن مجلس الأمن شرع أخيراً عرفاً جديداً وصفه بـ"مسؤولية الحماية". يُلزم هذا العرف أعضاء الأمم المتحدة باتخاذ خطوات حاسمة، منها استعمال القوة، حين تخفق التدابير السلمية في منع الإبادة أو الجرائم ضد الإنسانية".

ولا شك أن تجويع مئات آلاف المدنيين عمداً يشكل جريمة ضد الإنسانية.

من المؤسف أن كل هذا يتركنا أمام احتمال واحد:

لا تهمنا هذه المسألة.

لم يكن هذا موقف أوباما حين تعاطى مع المأساة في دارفور، فقد أعلن عام 2006: "عندما تقرأ تقارير مخيفة عن محو قرى بأكملها وقتل الأطفال... ينفطر قلبك. يجب أن تكون المخاوف الإنسانية كافية. لكننا نملك أيضا مصلحة أمنية قومية كبيرة، فإذا ازداد عدد الدول الفاشلة والمهجرين واللاجئين، تتحول المنطقة إلى أرض خصبة للنشاط الإرهابي... لا يمكننا أن نعزل نفسنا عن مآس مماثلة".

لم يكن هذا موقفه أيضاً عندما بدأ السوريون يتظاهرون مطالبين بالديمقراطية أو عندما شدد الأسد عمليات القمع، فقد تعهد في شهر أبريل عام 2012: "لم يستسلم الشعب السوري. ولهذا السبب، لا يمكننا نحن أيضاً أن نستسلم".

ولكن بحلول شهر سبتمبر عام 2013، بدا كما لو أن أوباما قد استسلم، فقد قال لشبكة ABC News: "لا تستطيع الولايات المتحدة التدخل في حرب أهلية تدور في بلد آخر".

بعد سبعة أسابيع، كتب كيري بأسى: "لا يستطيع العالم الوقوف مكتوف اليدين ومشاهدة الأبرياء يموتون".

لكن العالم يستطيع ذلك بالتأكيد، وهذا ما يفعله بالتحديد.

كان كيري، ورايس، وأوباما، الذين ظننا أننا نعرفهم، سيعبرون عن هذه المسألة بطريقة مختلفة. كانوا سيقولون: "لا تستطيع الولايات المتحدة الوقوف مكتوفة اليدين ومشاهدة الأبرياء يموتون". لكن الولايات المتحدة التي يرأسها أوباما تستطيع ذلك بالتأكيد، وهذا ما تفعله بالتحديد.

* فريد هيات | Fred Hiatt