الفساد السياسي المُمنهج يؤدي إلى هدم أسس الدولة وأركانها ونهب ثرواتها الوطنية؛ لذا فإن من الواجب الوطني فضحه وكشف المتورطين فيه ومحاسبتهم واسترداد الأموال العامة التي تعرضت للسطو والحرمنة والنهب، في الماضي كان من الممكن التستر على الفضائح السياسية لفترة من الزمن، أما اليوم في عالم التكنولوجيا المتطورة والفضاء المفتوح فقد أصبح من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل، إخفاء المعلومات والحقائق عن الناس لمدة طويلة، خصوصا في مجتمع صغير مثل مجتمعنا.

Ad

أجواؤنا السياسية ساخنة ويبدو أنها ستزداد سخونة في الأيام القليلة القادمة، فهناك معلومات متواترة عن فضيحة سياسية تعتبرها المعارضة ورقة رابحة جداً في يدها لا بد أن تستفيد منها وتستخدمها في "معركتها" السياسية حتى يزداد الضغط الشعبي على السلطة للاستجابة للمطالب الشعبية ومحاسبة الفاسدين من ناحية، ولكي تكسب المعارضة المزيد من التأييد الشعبي لمطالبها في الإصلاح السياسي والديمقراطي من الناحية الأخرى.

 وإن صحت المعلومات المتداولة فهي فضيحة سياسية من العيار الثقيل لكنها ليست مفاجئة لمن يتابع سير الأحداث وما آلت إليه الأوضاع في السنوات الأخيرة، فالفضائح السياسية ليست سوى نتيجة من نتائج استشراء الفساد السياسي والالتفاف على الدستور واحتكار السلطة وضعف المؤسسات الدستورية.

 الحرب ضد الفساد السياسي المؤسسي حرب شرسة وطويلة تحتاج إلى صبر ومثابرة، فالفاسدون لا يستخدمون فيها أجهزة الدولة وأموالها وقوانينها فحسب، بل يستخدمون أيضا أدوات قذرة ووسائل إعلام غير مهنية، وكشف فضيحة سياسية ثم تعرية مرتكبيها مجرد كسب معركة صغيرة في حرب طويلة وقاسية ضد الفساد، لهذا فمن المفترض ألا ينتهي الأمر عند كشف تفاصيل الفضيحة السياسية الحالية والمطالبة بمحاسبة المتورطين فيها رغم أهمية ذلك، بل يفترض اعتباره مجرد خطوة مهمة ضمن خطوات أخرى مطلوبة كي لا يفقد الناس ما تبقى لديهم من ثقة في مؤسسة الدولة.

 بمعنى آخر، يجب ألا تتوقف المطالب الشعبية عند حد فضح الفساد السياسي الذي "فاحت ريحته" ومحاسبة الفاسدين، بل مطلوب تبلور مطالب سياسية محددة تُمهّد الطريق للانتقال إلى النظام البرلماني الديمقراطي الكامل.

 وتجدر الإشارة هنا، إلى أن احتكار السلطة والثروة يجعل الصراع السياسي محتدما في دائرة ضيقة جداً، وهو ما قد ينتج عنه استعانة أحد أطراف الدائرة الضيقة بقوى سياسية من خارجها ليس للمصلحة العامة ولكن لمساعدته وترجيح كفته في صراعه المصلحي الداخلي؛ لذلك فمن الأهمية بمكان أن تحدد قوى الإصلاح والتغيير الديمقراطي مواقفها ومطالبها بشكل واضح وصريح؛ كي لا يتم استخدامها بحسن نية كأداة في الصراع الداخلي لقوى النفوذ والمصالح الضيقة، والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من منظومة الفساد السياسي.