الواقي الذكري... محاولات لتطويره

رغم فوائد الواقي الذكري كافة (لا يحتاج إلى وصفة طبية، لا يسبب تأثيرات جانبية، ويُعتبر فاعلاً في الوقاية من الأمراض المنتقلة جنسياًَ وتفادي الحمل)، يكره معظم الرجال استعماله. غالباً ما يكون الواقي الذكري مزعجاً لكن المحزن أن هذا التردد في استعماله يؤدي إلى عواقب وخيمة.

صحيح أن معدلات عدوى فيروس الإيدز استقرت في الولايات المتحدة، إلا أنها مرتفعة على نحو مخيف حول العالم. فيُعتبر الإيدز اليوم سبب الوفاة الأبرز في أفريقيا السوداء. نتيجة لذلك دعت مؤسسة بيل وميليندا غيتس في مارس 2013 إلى تقديم اقتراحات بشأن تطوير «الجيل التالي من الواقي الذكري». يذكر بابا ساليف سو، مسؤول بارز عن المشاريع في مؤسسة الوقاية من الإيدز وعلاجه، أن الهدف الرئيس تعزيز استعماله، محسنين في الوقت عينه «القدرة على الإحساس لتقليص المسافة بين الشريكين».

خلال الشهرين التاليين، حصلت المؤسسة على 812 اقتراحاً. لكن بعضها، مثل إعداد واقٍ جزئي لرأس العضو الذكري أو واقٍ يرش كالرذاذ، رُفض في الحال. وتمكنت المؤسسة في النهاية من تقليص عدد الاقتراحات الجيدة إلى أحد عشر، ومنحت كلاً من مقدميها في نوفمبر الماضي 100 ألف دولار لتطوير فكرته. وسيتلقى الأفضل بينها السنة المقبلة مليون دولار لإجراء مزيد من الاختبارات، وذلك كله بهدف طرح جيل جديد من الواقيات الذكرية في الأسواق.

إذاً، ما الشكل الذي سيتخذه الواقي الذكري المستقبلي؟ أقترح بعض المشتركين الفائزين أساليب مختلفة أكثر سهولة لوضع الواقي، مثل Rapidom، أداة تتيح وضع الواقي بحركة واحدة سريعة. لكن معظم المشاركين يجرون اختبارات على مواد مختلفة، بما فيها البولي يوريثان (مادة بلاستيكية مطاطية أقل سماكة من اللاتيكس وأكثر قوة)، البولي إيثيلين (مادة بلاستيكية رقيقة أقوى من البولي يوريثان على الأرجح، إلا أنها أقل مرونة)، ومواد نانوية، مثل الغرافين، ومواد تحاكي الأنسجة المخاطية البشرية.

صحيح أن النماذج المعدة من اللاتيكس تعاني كثيراً من الشوائب، لكن هذه المواد الأخرى لا تخلو أيضاً من السلبيات. حاول معظم الباحثين معالجة مسائل الإحساس والمتعة باعتماد مواد أقل سماكة وأكثر قوة. ولكن كلما زادت هذه المواد قوة خسرت من مرونتها، ما يحد بالتالي من قدرة مستعملها على الشعور. علاوة على ذلك، إذا كان الواقي الذكري رقيقاً ورفيعاً جداً، فقد يعيق تدفق الدم. يوضح مارك ماكغلوثلين، رئيس شركة Apex Medical Technologies في سان دييغو ومديرها التنفيذي وأحد المشاركين الفائزين في مسابقة مؤسسة غيتس: {لا شك في أن الضغط على المستقبلات العصبية يحد من القدرة على الإحساس. لذلك يعتمد نجاح الواقي الذكري على توازن دقيق وصعب}.

نماذج

استوحى ماكغلوثلين، الذي حصل على براءة اختراع أول واقٍ ذكري من البولي يوريثان في تسعينيات القرن الماضي، اقتراحه من الواقيات الذكرية القديمة، حين كانت تُستعمل مواد طبيعية، مثل مثانة الأسماك وأمعاء الحيوانات. طوّر ماكغلوثلين كولاجيناً بالغ الدقة يمكن صنعه من جلد السمك (أحد أفضل المصادر البيئية) أو من أوتار قوائم الماشية، التي تُعتبر قوية كفاية لتحمل ثقل حيوان يبلغ وزنه 450 كيلوغراماً. يوضح ماكغلوثلين أن هذا الواقي الذكري الذي يتحلل طبيعياً، سيكون ناعماً مثل جلد بالغ الرقة، إلا أنه سيلتصق بالبشرة كما لو أنه «محرمة ورقية مبلولة»، ما يُفترض أن يعزز القدرة على الإحساس. ويضيف: «سيحاول الرجل ارتداء مواد غريبة. نحاول استعمال مادة تكون قريبة مما تقدمه لنا أمنا الطبيعة».

في المقابل، اختار رون فريزييرس، نائب رئيس قسم الأبحاث في مجلس صحة العائلة في كاليفورنيا، مواد اصطناعية. فقد أعد واقياً ذكرياً من البولي إيثيلين، الذي يُستخدم في القطاع الغذائي لإنتاج القفازات البالغة الرقة، العلب البلاستيكية، والأكياس. توازي سماكة هذه المادة خُمس سماكة اللاتيكس. ولكن برهنت الاختبارات الأولية أنها أكثر قوة.  علاوة على ذلك، البولي إيثيلين مادة شفافة، لا رائحة لها، لا تتأثر بالأشعة ما فوق البنفسجية، وتستطيع تحمّل درجات حرارة مرتفعة، ما يجعلها ملائمة تماماً لتُحفظ في مخازن أفريقيا السوداء. لم يقتصر التقدّم الذي حُقق في هذا المجال على مباراة مؤسسة غيتس. يعتبر مؤسس شركة Origami Condoms في لوس أنجليس، داني رسنيك، هذه الجهود مهمة شخصية: فهو مصاب بفيروس الإيدز منذ عام 1993 نتيجة تمزق الواقي الذكري. يقول: {استأت كثيراً لأن المنتج الذي نعتمد عليه للحماية قد يخذلنا بكل سهولة. مررت آنذاك بمرحلة عصيبة}.

أمضى رسنيك فترات طويلة في مكتبة ميامي بيتش العامة، حيث أجرى بحثاً حول تاريخ الواقي الذكري ونماذج شركة Xeroxing القديمة {عن واقيات ذكرية تشبه السفن الفضائية}. يخبر: {صدمت. لا أستطيع تخيل منتج آخر اعتبره الناس مرفوضاً، إلا أنه لم يشهد أي تطورات كبيرة على مر السنين}.

في عام 2000، توصل رسنيك، بعد سنوات من العمل الجاد وعشرات الأفكار الفاشلة، إلى ابتكار واعد. فبدل أن يبحث عن مواد جديدة، غيّر شكل الواقي برمته، مبدّياً فكرة المتعة على الأمان. يوضح رسنيك: {أدركت أن الواقي الذكري يشكّل حاجزاً لا يتحرك وغلافاً يلتصق بالعضو ويعيق العلاقة الطبيعية حيث يحفَّز العضو نتيجة احتكاكه بالسوائل. لذلك تحديت نفسي للتوصل إلى طريقة لإعادة ابتكار هذه البيئة داخل الواقي}.

ما الحل؟ واقٍ ذكري شبيه بالأكورديون يحتوي على مواد لزجة من الداخل ويتحرك مع الجسم خلال العلاقة. يتابع رسنيك موضحاً: {نتيجة هذه الحركة، تنتفي الحاجة إلى واقٍ ذكري بالغ الرقة. فما عدنا ننقل الحركة من الخارج إلى الداخل، بل نوفر هذا الإحساس في الداخل. إذاً، لا يرتكز الابتكار الجديد على المواد بل على الهندسة والآلية المبتكرة}.