تقرير اقتصادي: «البديل الاستراتيجي للرواتب»... يسير عكس اتجاه المعالجة
• أثره سلبي على صناديق التأمينات والميزانية ويشجع على الهجرة المعاكسة إلى القطاع العام
• الحل بإصلاح سوق العمل الذي يعاني الضعف وقلة الاستثمارات الأجنبية
• الحل بإصلاح سوق العمل الذي يعاني الضعف وقلة الاستثمارات الأجنبية
من القصور النظر إلى موضوع البديل الاستراتيجي على أنه مجرد اختلاف في الرواتب بين جهة وأخرى بقدر ما هو اختلال في سوق العمل.
تسارعت خلال الاسابيع القليلة الماضية الخطوات الخاصة بالعمل على البديل الاستراتيجي للرواتب من ديوان الخدمة المدنية ولجنة الموارد البشرية في مجلس الامة للوصول الى مجموعة من الحلول التي تستهدف اعادة التوازن إلى رواتب وبدلات موظفي الدولة ودرجاتهم الوظيفية التي شوهت خلال السنوات القليلة الماضية عبر العديد من الكوادر المالية غير المدروسة، حتى بات راتب وبدل الوظيفة الواحدة مختلفا بشكل لافت حسب الجهة الوظيفية، حتى وإن كانت طبيعة العمل واحدة.ومن المفترض ان يكون البديل الاستراتيجي للرواتب علاجا لكل مظاهر التخبط الحاصل حاليا في الهياكل الوظيفية، مع خدمته لمساعي خفض الانفاق في الميزانية العامة للدولة التي تكلفها الرواتب وما في حكمها بين البابين الاول والخامس نحو 10 مليارات دينار من اجمالي المصروفات العامة التي تبلغ 21 ملياراً، وكذلك، وهو الأهم، أن يكون من ضمن فلسفة عامة لإصلاح سوق العمل عبر توفير فرص عمل في القطاع الخاص عبر تشجيع المشاريع المحلية التي توظف العمالة المحلية واستقطاب اموال اجنبية لوقف الهجرة المعاكسة التي حصلت من القطاع الخاص إلى العام خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا بعد بداية إقرار الكوادر والبدلات في القطاع النفطي والحكومي.اتجاه معاكسغير ان ما تسرب من معلومات حول البديل الاستراتيجي للرواتب يشير الى انه يسير في معاكسة ما يفترض انه حل للازمة، فمثلا عندما تقر لجنة الموارد البشرية مكافأة نهاية الخدمة من 15 إلى 18 شهراً لجميع الموظفين بما يشمل 5 آلاف شخص سنوياً وبكلفة تبلغ نحو 200 مليون دينار، فإن هذا التوجه يصطدم بالخطاب الحكومي الذي يحذر من خطورة استمرار الإنفاق بالوضع الحالي خشية دخول دائرة العجز عام 2017، خصوصا ان هذا النظام التقاعدي سيعني تحمل الخزانة العامة 5% عن كل موظف لمصلحة التأمينات الى جانب ما ستتحمله هذه الخزانة من كلفة نهاية الخدمة.كذلك تشير دراسة اجرتها «الجريدة» الى ان تكاليف تطبيق البديل الاستراتيجي في السنة الأولى سترتفع من 250 مليون دينار، كما تم تقديرها في دراسة ديوان الخدمة المدنية إلى 560 مليوناً، لأن زيادات الرواتب لقطاعات لن يقابلها خفض رواتب لاي قطاع يتمتع حاليا بالكوادر، حتى وإن كانت عالية، فضلاً عن الاستقطاعات التأمينية.اختلالات وتأميناتوبالتالي لا يجوز أن يكون البديل الاستراتيجي تخريبا جديدا للميزانية، فنهاية الخدمة وزيادة الرواتب تكلفان نحو 760 مليون دينار في السنة الاولى فقط، التي تعاني اختلالات عميقة في اكثر من جانب، بدلا من ان يكون حلا للمشكلة التي من القصور النظر اليها على انها مجرد اختلاف في الرواتب بين جهة واخرى بقدر ما هي اختلال في سوق العمل بين قطاع حكومي يستقطب معظم العمالة الوطنية، يقابله قطاع خاص ضعيف في توظيف هذه العمالة، إضافة إلى محدودية الاستثمارات الأجنبية التي يمكن ان توظف هذه العمالة وتطورها. كذلك هناك مجموعة من الملاحظات، اهمها انه لا يمكن اغفال الاثر السلبي الذي يمكن ان ينسحب على صناديق التأمينات الاجتماعية بسبب ارتفاع المرتبات الخاصة لمن هم اقل رواتب من نظرائهم في وظائف أخرى دون تحمل الأقساط التأمينية للفترات السابقة، مما سينعكس في زيادة العجز الاكتواري للتأمينات بشكل متسارع.هجرة عكسيةوإضافة إلى ذلك فإن زيادة الرواتب في القطاع الحكومي ستدعم التوجه الموجود حاليا المتمثل في هجرة العمالة الوطنية من القطاع العام الى الخاص، على خلفية التقارب في الأجور بين العاملين في القطاعين بعد الزيادات والكوادر المالية التي تم اقرارها في السنوات الماضية، ناهيك عن ان القطاع العام يعطي مميزات وظيفية كمدد الاجازات والامان الوظيفي وغيرها، وبالتالي فإن الهجرة العكسية من القطاع العام إلى الخاص والتي تنامت مع نمو الرواتب بواقع 9% منذ عام 2011 ستدفع العديد من موظفي الخاص الى العمل القطاع العام حال زيادة رواتب وظائف لم تكن خاضعة لأي كادر او بدل.الحديث عن البديل الاستراتيجي للرواتب - حتى الآن - مرتبط بالجانب المالي كالزيادات ونهاية الخدمة، الا انه لم يوضح مثلا القواعد التي ستبنى عليها الزيادات وما الحل لو تعاظمت الهجرة من القطاع العام الى الخاص ما يعني سير خطة الدولة الى العكس، وهل هناك اهتمام بواقع التأمينات الاجتماعية وصناديقها بسبب ارتفاع المرتبات الخاصة لمن هم اقل رواتب من نظرائهم في وظائف اخرى دون تحمل هؤلاء الموظفين للأقساط التأمينية عن الفترات السابقة.وما الحل؟بعد عمليات التخريب والفوضى التي حدثت لهيكل الرواتب في الكويت خلال السنوات الماضية خصوصا المرتبطة بزيادات لاهداف سياسية او بلا دراسة حقيقية، بات من غير المنطقي الحديث عن حل مثالي بلا مثالب، لذلك يجب العمل على الوصول إلى افضل الحلول بما يحقق اعلى درجة عدالة ممكنة بين الموظفين ويحقق ايضا بالتوازن اهداف الخطط الحكومية - ان صدقت - في ضبط الانفاق، وهنا يمكن اقتراح مجموعة من الحلول التي بالتأكيد لن تصلح الضرر خصوصا على المديين القصير والمتوسط، الا انها يمكن ان تكون اساسا للمعالجة على المدى الطويل.أولا: وضع تاريخ محدد (مثلا 1-1- 2015) لا يستفيد الموظفون الجدد بعده من اي كوادر او زيادات، بل يتم تعيينهم وفقا للبديل الاستراتيجي للرواتب، الذي من المفترض ان يحدد راتب كل وظيفة وشهادتها ودرجتها وفق نظام واضح ومحدد.ثانيا: القطاعات التي لم تحصل حاليا على كوادر او زيادات او تعاني نقصاً مالياً مقابل نظيرتها في وظائف اخرى هي فقط التي تحصل على مكافأة نهاية الخدمة دون تعديل حالي في سلم رواتبها.ثالثا: لا يتم تعديل او زيادة الرواتب الا بقانون ووفقا لدراسات تبين الاثار التضخمية الناتجة عن الزيادة، فكم من زيادة سابقة ادت إلى نمو في مؤشرات التضخم والغلاء، فضلاً عما توجده من طبقية واختلاف في السلوك الانفاقي بين موظفي النفط والعاملين في القطاع الحكومي.رابعا: وهي النقطة الأهم، ولا قيمة للنقاط السابقة بدونها، وهي المتعلقة بضرورة وجود بيئة عمل خارج اطار القطاع العام، والتي تستلزم ان يكون اصلاح البديل الاستراتيجي جزءاً من اصلاح سوق العمل، وهنا التحدي الاكبر، لان الامر يتعدى مجرد ضخ الأموال الى اصلاح ملف مهم في الاقتصاد.