قاعدة عسكرية مصرية في الخليج

نشر في 23-03-2014 | 00:01
آخر تحديث 23-03-2014 | 00:01
 ياسر عبد العزيز في مطلع مارس الجاري، قال المحلل السياسي المصري البارز مأمون فندي عبر إحدى القنوات الفضائية إن دولة الإمارات العربية المتحدة ترغب في استضافة قاعدة عسكرية مصرية في أراضيها، وهو التصريح الذي تناقلته وسائل إعلام أخرى عديدة، ولم ينفه أي مصدر مصري أو إماراتي.

لقد تذكرت أنني عملت صحافياً لأكثر من عشر سنوات؛ لذلك فقد سألت مسؤولاً إماراتياً رفيعاً عن الأمر؛ فأجاب بقوله: "لا أعلم شيئاً عن موضوع القاعدة العسكرية... لكنه لا يفاجئني"، وعندما زرت أبو ظبي في الأسبوع الماضي، حرصت على أن أثير الموضوع في أكثر من لقاء؛ فلم أحصل على إجابة قاطعة، لكني لم أشهد أي قدر من الاستهجان أو الرفض أو الاندهاش من الفكرة.

أحد الذين سألتهم، قال ببساطة: "لدينا قاعدة عسكرية فرنسية. والإماراتيون يتفهمون ذلك، ويعرفون أنه يحقق عوائد أمنية واستراتيجية معينة... فلمَ لا تكون لدينا قاعدة عسكرية مصرية؟".

المسؤولون المصريون بدورهم يتصرفون إزاء الأمر بالطريقة ذاتها. أحدهم قال لي رداً على السؤال: "هؤلاء الناس (الإماراتيون) يدعموننا بقوة... هم إخوة بحق".

الآن يبدو لي أننا سنرى قاعدة عسكرية مصرية على مياه الخليج في وقت قريب، وبمجرد أن تنتهي مصر من تنفيذ استحقاقات "خريطة الطريق"، وينجح الجيش والشرطة في تصفية بؤر الإرهاب، التي تفرض تحديات صعبة على البلاد في الفترة الانتقالية الشائكة التي تمر بها، سيكون إنشاء القاعدة وإرسال القوات قد بدأ على الأرجح.

ثمة شواهد عديدة تشير إلى تطور غير مسبوق في العلاقات الثنائية المصرية- الإماراتية؛ إذ دعمت الإمارات مسار 30 يونيو في مصر دعماً هو الأكبر على الإطلاق.

لقد وقفت السعودية والكويت بقوة إلى جانب مصر، ودفعتا أكثر من تسعة مليارات دولار لدعم النظام الراهن، وساندت البحرين والأردن التطورات الجديدة في أكبر بلد عربي، بعد التخلص من حكم "الإخوان"، لكن الدعم الإماراتي كان أوضح وأكثر إلحاحاً.

لقد بلغ مجموع ما دفعته الإمارات أكثر من سبعة مليارات دولار دعماً لمصر، وتوزعت تلك الأموال على حزمة من المساعدات المالية والعينية؛ ولعل أهمها إمدادات الوقود.

لكن الدعم السياسي كان مؤثراً بشكل كبير في الوقت نفسه. قال لي أحد الدبلوماسيين المصريين إن القاهرة بات لديها سفيران على الأقل في كل عاصمة من العواصم المهمة؛ فالسفير الإماراتي يعمل عادة وكأنه سفير لمصر أيضاً... هذا ما حصل حينما استخدمت أبوظبي نفوذها المستمد من طاقتها المالية الكبيرة للتأثير في مواقف بعض الدول الغربية، التي كانت تنوي أن تستمر في دعم موقف "الإخوان"، تجاوباً مع مصالح معينة، وتحت ضغط دول مثل الولايات المتحدة، وقطر.

العلاقات العميقة بين مصر والإمارات ليست مسألة طارئة؛ فقد أرسى دعائم تلك العلاقات الشيخ زايد بن سلطان، وحرص أبناؤه على المضي قدماً في ذات الطريق، لكن هذه العلاقات عرفت تطوراً نوعياً منذ 30 يونيو الفائت.

تتحرك الإمارات إزاء الموضوع المصري باعتباره موضوعاً إماراتياً خالصاً. لقد سمعت الشيخ محمد بن راشد مثلاً يقول إنه انطلق بسيارته فور إعلان عزل الرئيس مرسي في 3 يوليو الماضي إلى أبو ظبي، عازماً على أن يقول للشيخ خليفة بن زايد: "ماذا يجب أن نفعل لمصر الآن؟"، لكنه وجد الأخير يعاجله بطرح السؤال نفسه، ليتفق الشيخان على ضرورة تقديم دعم وافر وقوي للقاهرة، وهو ما حدث بالفعل.

أما الشيخ سيف بن زايد، فقال خلال فعاليات "القمة الحكومية" التي استضافتها دبي، في شهر فبراير الماضي: "من يعاد مصر... يعاد الإمارات". كان هذا قولاً قوياً ومؤثراً، لكن التأثير الأوضح ظهر في كلمة ألقاها الشيخ عبدالله بن زايد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث حذر المجتمع الدولي من التدخل في الشأن المصري الداخلي، مؤكداً التزام بلاده دعم الفترة الانتقالية المصرية، بما تتضمنه من خريطة طريق للتحول الديمقراطي السلمي.

في شهر مارس الجاري، انخرطت أعداد كبيرة من عناصر سلاحي الجو والبحر المصريين والقوات الخاصة في تدريب "زايد 1"، وهو تدريب عسكري مشترك نادر بين البلدين، اتسم بقدر كبير من الجدية والزخم.

ليس هذا فقط، لكن زيارة المشير السيسي المهمة إلى موسكو قبل أسابيع تمخضت عن اتفاق نادر أيضاً يقضي بتزويد مصر بأسلحة روسية متطورة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على الأقل، وهو المبلغ الذي تعهدت الإمارات بدفع جزء كبير منه، إضافة إلى السعودية التي ستساهم بحصة أيضاً.

كانت الولايات المتحدة الأميركية قد ضغطت على مصر، في أعقاب 30 يونيو، في إطار دعمها الواضح لتنظيم "الإخوان"، ضغوطاً كبيرة، تجلى بعضها في حرمان مصر من جزء من المساعدات العسكرية الأميركية، والتوقف عن توريد أسلحة تم التعاقد عليها.

أرادت الإمارات إذاً أن تساعد في إيجاد مصدر بديل لتسليح مصر في حال واصلت واشنطن تعويقها لخطط التسليح المصرية، عبر الإحجام عن توريد الأسلحة وقطع الغيار لأكبر جيش عربي، أو الجيش الوحيد الباقي متماسكاً والذي يمتلك خبرة قتال واسعة، بعد تفتت الجيشين العراقي والسوري.

العلاقات التي تجمع الإمارات بقطر تتسم بالتوتر منذ فترة ليست قليلة، ودعم قطر لـ"الإخوان" يمثل إشكالا كبيراً للإماراتيين، إضافة إلى بعض تغطيات قناة "الجزيرة" المسيئة، وأخيراً وليس آخراً، هجمات الشيخ يوسف القرضاوي الشرسة على الإمارات وقياداتها.

لكن يبدو أن العنصر المصري كان جزءاً من تصعيد الخلاف الإماراتي- القطري، وبالتالي قرار أبوظبي والمنامة والرياض النادر سحب سفرائها من قطر اعتراضاً على "سياسات الدوحة وعدم التزامها بالاتفاقيات الخليجية في مجال حفظ الأمن الداخلي لدول مجلس التعاون".

لا يمكن إغفال أن دعم الإمارات لمصر يتسق مع السياسة الإماراتية الثابتة تجاه أكبر بلد عربي، ويمثل امتداداً لميراث زايد الذي يحرص عليه الإماراتيون، وينسجم مع الرؤية الاستراتيجية للأمن القومي العربي، وأمن الخليج، ودور مصر في صيانته، وموازنة المخاطر والمواقف العدائية التي تستهدفه.

لكن في الوقت نفسه، لا يمكن اعتبار أن هذا الدعم لا يخص مصلحة إماراتية واضحة ومؤثرة، خصوصاً أن تصرفات أبوظبي إزاءه تتسم بدرجة عالية من الإصرار والشغف والدوافع الضخمة والملحة.

هناك سبب آخر يصلح لتفسير السلوك الإماراتي إزاء الحالة المصرية، وهذا السبب يتصل بمخاوف إماراتية جديدة بدأت تتبلور على خلفية التهديد الإيراني الكامن.

تمتلك الإمارات جيشاً عصرياً منظماً تنظيماً جيداً ومسلحاً بمنظومات منوعة وفائقة الجودة، لكن عدد أفراد هذا الجيش لا يتعدى 50 ألف فرد، لذلك، فقد أعلنت أبو ظبي تبنيها سياسة التجنيد العسكري الإجباري، مطلع العام الجاري، بما يعني نقلة نوعية جديدة في عديد الجيش ودوافعه.

ترتبط الإمارات بتحالفات عسكرية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من خلال اتفاقيتين عسكريتين وقعتا منتصف التسعينيات من القرن الفائت، كما تستضيف قاعدة عسكرية فرنسية في أراضيها، يرابط بها نحو 400 عنصر فرنسي، لكن يبدو أن هذه الاحتياطات لم تكن كافية لطمأنة الإماراتيين إزاء التهديد الإيراني.

يمكن استخلاص مجموعة من النتائج إذاً من خلال تحليل المؤشرات السابقة؛ إذ يبدو أن الإمارات تستشعر تهديدات خطيرة تمس أمنها القومي، وتلك التهديدات لا تتجسد في مطامع تنظيم "الإخوان" وحلفائه فقط، ولكنها تتسع لتشمل تغيراً في تموضع إيران في منطقة الخليج، وبالتالي سلوكها، في ظل ترتيبات يمكن أن تنجزها واشنطن مع طهران.

على الأرجح، فإن الإمارات تريد أن تشعر بقدر أكبر من الأمان إزاء تطورات محتملة يمكن أن تأخذ شكل التهديد المسلح، أو العدوان الخارجي، أو الابتزاز المستند إلى الخلل في الميزان العسكري، في ظل التراجع الكبير في ثقتها بنوايا واشنطن وسلوكها.

يبدو أن قوات مصرية ستنتشر قريباً على ساحل الخليج إذاً، وهو تطور سيكون له تأثير كبير في الخريطة الاستراتيجية للمنطقة.

* كاتب مصري

back to top