«لا أظن أن دولة في العالم تحتفل بأعيادها الوطنية كما تفعلون أنتم».

Ad

بهذه الجملة الدالة عبّر صديق، كاتب وإعلامي أجنبي، زار الكويت خلال الأسبوع الماضي، عن دهشته وإعجابه الشديدين بالطريقة التي يحتفل بها الكويتيون بأعيادهم الوطنية، ولقد ناقش معي أريحية الحكومة الكويتية، بأن تسمح لكل بيت أن يرفع العلم الكويتي، ويتزين بما يشاء من زينة وطنية، علماً بأن دولاً كثيرة في العالم لا تسمح قوانينها برفع العلم الوطني إلا على المباني الحكومية، وتحت ظروف خاصة.

يطفو بين آن وآخر على سطح المجتمع الكويتي حدث يعكر صفو الوحدة الوطنية، وأظن أن ذلك طبيعي جداً في عصر صارت أصغر الأمور وأخصها شأناً عاماً تتداوله وسائل التواصل الاجتماعي، لكن احتفالات الكويت بأعيادها الوطنية، سواء التي تأتي من العوائل الكويتية في بيوتها الصغيرة والكبيرة، أو تلك التي تأتي من مختلف مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية، تشير بشكل واضح وعفوي، يبعث على الفخر والفرح، إلى طبيعة الانتماء إلى الوطن، وكيف أن جميع الكويتيين يرتبطون بوطنهم ويرون في الاحتفال والفرح بأعياده احتفالاً وفرحاً يخصهم كأفراد، بقدر ما يخصّ الدولة، ولذا يتبارون مع الدولة على شكل الاحتفال.

إن احتفالات فبراير، ما عادت تتصل بيومي التحرير والاستقلال، 25 و26، بل أصبح شهر فبراير بأكمله شهر أعياد واحتفالات وأفراح، وأظن أن هذه الظاهرة بعد أن تكرست صارت تستحق الالتفات إليها بشكل جديد، يتناسب وروح العصر، ويتناسب واستعداد الناس، أفرادا ومؤسسات، العفوي إلى الاحتفالات ومشاركة الكويت أعيادها الوطنية.

إن مروراً عابراً بأي منطقة سكنية يظهر كرنفال الألوان والصور والأعلام التي تتزين بها الشوارع والبيوت ومقار الجمعيات التعاونية، كما أن الأبراج التجارية في قلب مدينة الكويت، وباقي المناطق التجارية تحتفل بزينات تستوقف كل من يراها، وإذا ما تجاوزنا كل هذا، فإن الوقت قد حان لأن تبادر وزارة الإعلام إلى قيادة باقي وزارات الدولة لتقديم احتفال سنوي كبير يمثل الكويت رسمياً وشعبياً، يكون مدروساً ومبتكراً ولافتاً يقدم جديداً ينتظره الشعب الكويتي، ويؤسس لاحتفال سنوي كويتي يراكم إرثاً شعبياً ورسمياً يصبح مع الأعوام بمنزلة إضافة إلى المنجز الكويتي الثقافي والفني.

جميلة هي العفوية، وجميل هو صدق الشعب الكويتي في التعبير عن ولائه وحبه لوطنه وأرضه، ومؤكد أنه جميل ويحسب للجاليات العربية والأجنبية إصرارها الكريم على المشاركة في الاحتفالات الوطنية، لكن الجميل أيضاً أن تنبري وزارة الإعلام، وتأخذ المبادرة في التنسيق مع جميع هيئات الدولة الرسمية والشعبية، لإقامة حفل سنوي كبير، لا يردد ما بات زاداً بائتاً، وملَّ الناس سماعه، ولا يقدم صوراً تقليدية بائسة ما عادت تحرك ساكناً في الوجدان الشعبي، ولكن يعمل سنوياً، وربما بالتنسيق مع شركات محلية وعالمية لتقديم احتفال عصري متجدد، يليق بسمعة الكويت، ويترجم عمق العلاقة بين الكويتي وأرضه ووطنه.

إن أخذ مثل هذه المبادرة، وبتراكم الخبرات، سيقدم جديداً على الساحة المحلية والخليجية والعربية، وربما صار بتقدم السنين احتفالاً ينتظره الناس، لا ليقدم أعلاماً كويتية وزينات كهربائية ملونة، ولكن ليكون مهرجاناً شعبياً يتداخل الموروث الكويتي فيه مع آخر ما تفتقت عنه أفكار الشباب الكويتي بصلته الأكيدة مع آخر المستجدات العربية والعالمية الفكرية والثقافية والفنية.

الطريقة التي يحتفل بها الكويتيون تدعو إلى الانتباه، وتدعو أكثر إلى اقتناص هذه الحالة الفريدة من الحب والإخلاص والصفاء والوفاء، ومن ثم تكريس كل هذا مجتمعاً ليُقدّم إلى العالم على شكل احتفال وطني شعبي سنوي عصري يليق باللحظة الإنسانية الراهنة، ويكون قادراً على جذب انتباه الجمهور من داخل الكويت وخارجها.