استمراراً للأجواء الكئيبة وتدفق المعلومات السيئة حول الشأن العام ووسط حالة الإحباط في نفوس الكثير من الناس، بلغني من مجموعة من الشباب أن عددا من المواطنين أصحاب الكفاءات العلمية، وممن كونوا أنفسهم بعصامية عبر مشاريع تجارية صغيرة وواعدة قد تركوا الكويت واستقروا بشكل دائم إما في الولايات المتحدة أو أوروبا أو بعض الدول الخليجية، كما يفكر البعض الآخر في تصفية أمورهم والهجرة إلى الخارج.

Ad

من خلال الحديث مع بعض هؤلاء الشباب كان اللافت أن الهدف الأساسي للرحيل يكمن في "البحث عن الذات" والاعتماد على النفس والخبرات العلمية والعلمية؛ لأن البلد غير قادر أو غير راغب في احتوائهم واحتضان أفكارهم ومشاريعهم.

 فالتجارة عندنا لا تعتمد على المهارة والشطارة إنما على الواسطة والمحسوبية، والأفكار والمشاريع لا يتم التعامل معها في ضوء حاجة البلد لأغراض التنمية والاستثمار في الموارد البشرية بقدر ما تحدده المصالح الضيقة والنفوذ، والإجراءات البيروقراطية لا ترحم وتشوبها المحاذير والممارسات اللا أخلاقية، أبسطها الرشوة أو الشراكة القهرية مع أحد الهوامير.

في خط مواز هناك مؤشرات مقلقة حول تحويل الأموال إلى الخارج واستثمارها إما في البنوك أو شراء العقار، وباتت النصيحة الأولى بين الناس وفي مقدمتهم رجال الأعمال "إذا عندك فلوس اشترلك بيت أو شقة بره"، والأهم من ذلك أن يكون الدافع وراء ذلك هو القلق والخوف من المستقبل السياسي في الكويت ومحاولة إيجاد ضمانات في الخارج.

تأكيد مثل هذه المعلومات قد لا يحتاج إلى دليل، فهذا هو حديث الناس في الدواوين والتجمعات العائلية وتداول الأصدقاء وزملاء العمل، وما يحتاج إلى تأكيد وتوثيق هو قيام مؤسساتنا الرسمية بنشر البيانات المتعلقة بهذه المؤشرات لمعرفة مدى انتشارها على مستوى القطاعات التجارية وكذلك الأفراد، وتقع مثل هذه المسؤولية على عاتق بنك الكويت المركزي، وهيئة المعلومات المدنية والإدارة المركزية للإحصاء على وجه التحديد.

كما أن تحليل مثل هذه المؤشرات على صعيد هجرة العقول أو الأموال يفترض أن يأخذ بالاعتبار المنحنى الزمني خلال السنوات العشر الماضية للاستدلال على وجود ارتباطات سببية، قد تؤكد بشكل علمي وموضوعي الحالة الشعبية القلقة، ومدى تأييد ما تتناقله بعض التقارير الأجنبية حول المستقبل السياسي والاقتصادي للكويت وأهمية دق جرس الإنذار لإصلاح ما يمكن إصلاحه!