الدكتور محمد عبدالحليم عمر لـ الجريدة.: الاقتصاد الإسلامي أفضل وسيلة لإنقاذ العالم من الانهيار
تقصير العلماء سبب تراجع التعاملات المالية الإسلامية عن أداء دورها
يرى المدير السابق لمركز الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر الدكتور محمد عبدالحليم عمر، أن الإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية قبل عدة سنوات لإنقاذ اقتصاداتها من الانهيار هي إجراءات قريبة الصلة من الإسلام، ما يعني ضرورة أن يستغل المسلمون ذلك لتحسين صورة الإسلام أمام الرأي العام الغربي، مطالباً خلال حواره مع "الجريدة" المستثمرين العرب والمسلمين باستعادة استثماراتهم المهاجرة واستثمارها داخل بلدانهم الأصلية، على اعتبار أن ذلك أكثر أمناً وشرعية، حتى يستفيد العالم الإسلامي من أمواله، التفاصيل في السياق.
• ما تعليقك على ما يُقال دائماً عن وقوف اليهود خلف أية أزمة اقتصادية تضرب العالم؟- أولاً أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، ولا أتفق مع الداعمين ومع ذلك فأنا لا أستبعد حصول اليهود على بعض المكاسب من جراء أية أزمة مالية تضرب العالم على اعتبار أنهم المتهمون دوماً بأنهم أصحاب اليد الخفية التي تتحكم في السوق من خلف الستار.• برأيك هل ثبت فشل النظام الرأسمالي في إدارة اقتصاد العالم بصورة آمنة؟ - هذا صحيح، فسبب رئيسي من أسباب حدوث الكثير من الأزمات المالية هو تمتع النظام الرأسمالي بقيم لا أخلاقية وعلى رأسها الربا الفاحش، وانتشار السلوكيات غير السوية، وهو أمر اعترف به الكثير من مفكري الغرب لدرجة أنهم طالبوا صراحة بضرورة الاستفادة من قيم الإسلام الاقتصادية في تحصين نظامهم المالي أخلاقياً، حيث عبر المفكرون عن دهشتهم من سيطرة الجشع والطمع، وتغليب المصلحة الشخصية على السوق المالي في الغرب، والبحث عن الربح بأي شكل من الأشكال حتى لو كان على جثث الآخرين، وحتى لو على حساب القيم والأخلاقيات الدينية مثل انتشار الكذب والاحتيال وتقديم المعلومات المضللة من قبل المسؤولين والمديرين، وكل هذا يعد إحدى أهم صفات النظام الرأسمالي، مقارنة بالنظام المالي الإسلامي الذي يحافظ على القيم الأخلاقية، ما يعني المواءمة بين المصلحتين الفردية والجماعية.• ما سبب عدم استفادة المسلمين من مبادئ ومناهج الاقتصاد الإسلامي؟ - سبب عدم استفادتنا من مبادئ الاقتصاد الإسلامي، يرجع إلى جهل الكثير من المسؤولين في الدول العربية والإسلامية بالإسلام ومبادئه الاقتصادية المهمة، إلى جانب جهل عامة الناس بالقيم والتشريعات المالية الإسلامية، كل هذا سببه تقصير علماء الشريعة وخبراء الاقتصاد الإسلامي، الذين اكتفوا للأسف الشديد بالكتابة والتأليف في الموضوعات الهامشية، كما تفرغوا للخلاف في ما بينهم على كيف ندخل الحمام بالقدم اليمنى أم اليسرى، ولم يعملوا على الاستفادة مما يقدمه الإسلام في مجال التشريعات الاقتصادية، من أجل إنقاذ الاقتصاد العربي القائم على الثقافة الريعية والاستهلاكية ويبتعد تماماً عن ثقافة الإنتاج والتصنيع• وما الدور المنوط بعلماء الدين وخبراء الاقتصاد الإسلامي للنهوض باقتصاد بلادنا؟- الأولى بعلماء الدين وخبراء الاقتصاد الإسلامي استغلال مثل هذه الأزمة الطاحنة، لتقديم الصورة الحقيقية للإسلام، وكيف يقدم هذا الدين سلسلة حلول فعالة وحاسمة للخروج من هذه الأزمة، وكيف أن كل المؤسسات المالية التي تتبع التشريعات الإسلامية لم تتعرض لأية أزمة من أي نوع، وفي حين أفلست عشرات البنوك في الغرب فلم نسمع عن بنك إسلامي واحد أعلن إفلاسه سواء في الشرق المسلم أو في الغرب غير المسلم، وهو ما يؤكد أن قيم الاقتصاد الإسلامي هي قيم واقعية وليست قيم نظرية كما يزعم البعض، وأنها قيم يتم تطبيقها في العصر الحالي ونجحت نجاحاً ساحقاً، وإذا نجح العلماء في إظهار ذلك فسوف يهيئون الساحة لتطبيق هذا النظام تطبيقا كاملاً في العالم الإسلامي لتتغير الصورة الاقتصادية تماماً في العالمين العربي والإسلامي.• بين الحين والآخر يثار الحديث عن أن الاقتصاد الإسلامي لا يستطيع مواءمة مقتضيات العصر الحديث، فما تعليقك على تلك الأقاويل؟- بالطبع كلها أقاويل غير صحيحة، فالإسلام ينقسم إلى عقيدة وعبادات، والعقيدة هي أن نعبد الله تعالى ونراعيه في كل معاملاتنا، أما العبادة فتنقسم إلى نوعين: عبادات محضة مثل الصلاة والصوم والحج وهي عبادات خالصة لله، حيث لا يوجد من ورائها منفعة مباشرة للإنسان، ولكن منفعتها غير المباشرة أنها تمنع المسلم من الوقوع في الخطأ وتعود الإنسان على الالتزام، والجزء الثاني من العبادات هو المعاملات وتساوي 75 في المئة من أحكام الشريعة، وتستند إلى الكتاب والسنة ثم إعمال العقل بالاجتهاد مع الإسقاط على الواقع المعاصر، فعلى سبيل المثال يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" فيجيء علماء التفسير ويقولون إن المسلم يجب أن يلتزم بأوامر الله تعالى لجزء من عقيدته وعباداته لا تنفع إذا لم يف بالعقود، ثم يجيء علماء الفقه ويقولون كيف يفي المسلم بالعقود، وهكذا فإن الاقتصاد الإسلامي أصيل في مستنده وهو الكتاب والسنة، وعميق في جذوره وهو الفقه، وفي التطبيق حيث يتم تطبيقه في الدولة المعاصرة كما تم تطبيقه في الدولة الإسلامية، عندما كانت الحضارة الإسلامية تقود العالم لمدة تزيد على الألف عام، كما أن الاقتصاد الإسلامي صالح للتطبيق في العصر الحاضر، لأن القواعد الإسلامية العاملة تطبق اليوم بنجاح في العالم كله تقريباً من خلال المؤسسات المالية الإسلامية وكذلك البنوك الإسلامية.• هل نجحت تجربة البنوك الإسلامية بما يمهد لانتشار مبادئ الاقتصاد الإسلامي مستقبلاً؟- أتمنى هذا من كل قلبي، لكن لابد أن نعرف أن للإسلام رجالا يمشون على الأرض، فإذا كان الرجال أقوياء فإن الإسلام سيكون قوياً والعكس صحيح، فالاقتصاد الإسلامي سيسود العالم إذا كان المسلمون أقوياء سياسياً، فالتجربة المالية الإسلامية لم تنجح في الغرب إلا بعد أن تم تطبيقها بنجاح في العالم الإسلامي، وهكذا فإن الاقتصاد الإسلامي يحتاج منا إلى الإخلاص والجدية، فالرسول صلى الله عليه وسلم، كان رجلاً واحداً بدون أية موارد مادية ومعه بعض الناس كانوا من ضعاف مكة، لكنه استطاع بالعزيمة والإصرار والمنهج إقامة دولة مترامية الأطراف قوية في شتى نواحي الحياة، ونحن اليوم لدينا المنهج، لكننا نفتقد العزيمة والإصرار كي نحيي مبادئ الاقتصاد الإسلامي العظيمة، وأهمها التخلص من الربا.