الأغلبية الصامتة: لحظة صفاء
نصرخ من ضيق «الخُلق» ولا نرى أجمل مشهد في الدنيا «يفتح النفس»، وهو ضحكة طفل مستغرق في النوم، نبحث عن البركة والتوفيق وأيادي الأمهات مبسوطة على الدوام تنتظر من يقبلها لينال البركة، نريد العيش في المجتمع المثالي ونحن أول من يتخطى طابور الانتظار بفخر ممزوج بلذة الانتصار.
في لحظة صفاء وتصاف مع الذهن طرق رأسي هذا السؤال؟ هل الحرية شعور أم ممارسة؟ هكذا وبدون مقدمات وجدت نفسي أمام أزمة تفسير وتحليل ومراجعات ذاتية لا يصلح معها التأخير أو تصفح كتاب سبق أن وجدت فيه ما يصلح للبدء بالإجابة، خصوصاً أن الحرية مذكورة هنا دون تحديد أي حرية؟ التنقل، القول، الاعتناق... إلخ.الجواب كان حاضراً دوماً أمامي، مثل أشياء كثيرة نبحث عنها وهي تتقافز أمامنا من الضجر والإحباط من هذا الأعمى المبصر، نصرخ من ضيق "الخُلق" ولا نرى أجمل مشهد في الدنيا "يفتح النفس"، وهو ضحكة طفل مستغرق في النوم، نبحث عن البركة والتوفيق وأيادي الأمهات مبسوطة على الدوام تنتظر من يقبلها لينال البركة، نريد العيش في المجتمع المثالي ونحن أول من يتخطى طابور الانتظار بفخر ممزوج بلذة الانتصار، نلعن "الواسطة" وننسى كيف قدمنا القريب وأبعدنا المستحق.أجوبة كثيرة أمامنا مثل ما سبق لا تحتاج إلى أكثر من التفاتة صغيرة، هل الحرية شعور فقط؟ الجواب: لا، وهل الحرية ممارسة فقط؟ الجواب أيضاً لا، الحرية كما أراها شعور وممارسة. تخيلت نفسي بأني وبإرادتي الحرة أكره السفر، ولن أستخرج لنفسي جواز سفر، وقررت العيش حياتي كاملة داخل حدود دولة الكويت، حتى جزيرة فيلكا لا أريد الذهاب إليها، في هذه الحالة لن أشعر بأني مقيد أو مسجون بل لن أشعر بأي ضيق مزعج يقلقني ليل نهار في الصحو وأثناء النوم، في المقابل لنتخيل أن مواطناً في الكويت أو بلد شاسع المساحة مثل أستراليا أو كندا أو البرازيل حرم من جواز سفره لفترة من الزمن ولو لأسبوع واحد؛ علماً أن هذا الشخص لا يسافر إلا نادراً، هنا سيشعر بأن الأرض ضاقت عليه بما رحبت.سأذهب إلى ما هو أبسط لو قرر أحد وبإرادته البقاء في غرفته لمدة يوم كامل لأي سبب من الأسباب فلن يشعر بأي ملل أو ضجر لأن المسألة "بكيفه"، لكن لنقلب المشهد ونقل إن هذا الشخص عوقب من والديه بالحبس لمدة ساعة بالتأكيد الموضوع سيختلف.لقد وضعت الشعور قبل الممارسة، لأن هناك من لا يشعر بأي شيء ولا يتفاعل مع أي حركة؛ لأن وظيفته في الحياة هي استنشاق الهواء وهدفه اليتيم هو "العبور الآمن"، نأتي إلى الممارسة، هناك من يكذب ويدلس ويصنع واقعاً افتراضياً لدولة حريات، وهناك من لا يرى غير العيوب فقط، وهناك مَن يقول الحقيقة كما هي، ومَن لا يرد الاستماع لكل هؤلاء فما عليه سوى الممارسة.من يرد اختبار حرية التعبير "خل يغرد"، ومن يرد تكوين جمعية أو نقابة "خل يكون"، ومن يرد تأسيس صحيفة أو قناة "خل يفتح"، ومن يرد الاعتراض أو الاحتجاج أو الاعتصام أو الإضراب "خل يعترض ويحتج ويعتصم ويضرب"، ومن يرد تغيير دينه أو التخلي عن اعتناق أي دين "خل يجرب بس"، مثل ما سبق وزيادة "هاي الميدان يا حميدان"... لمعرفة معنى ممارسة الحرية وفق دستور (62) والقوانين "المعوقة" له.انتهت لحظة الصفاء، وعرفت الجواب لأنه أمامي كل يوم، ومعه حقيقة مؤكدة هي أن الديمقراطية تحتاج إلى ديمقراطيين.