في عام 2006، قرر الاتحاد الدولي للفلكيين تنزيل رتبة "بلوتو" وتصنيفه من كوكب إلى كويكب أو كوكب قزم، وبذلك خسر اعتباره تاسع كواكب المجموعة الشمسية التي درسها كل أطفال العالم في مناهج العلوم منذ تسميته بهذا الاسم "بلوتو" في عام 1930، وذلك بواسطة الفتاة البريطانية فينيشيا بورني ذات السنوات العشر التي نقلته إلى جدها أمين المكتبة في أحد حواراتها معه، لينقله بدوره إلى عالم الفلك الشهير هربرت هال ترنر، ليجد قبولاً منه ومن زملائه بعدما ظل لعقود من الزمن بلا اسم متفق عليه.

Ad

تعلمنا صغارا أن كواكب مجموعتنا الشمسية الواقعة في مجرة "درب التبانة"، وفي رواية اللبانة، هي كالتالي بترتيب من الأقرب فالأبعد عن الشمس، عطارد فالزهرة فالأرض فالمريخ فالمشتري فزحل فأورانوس فنبتون ثم بلوتو؛ لكنها اليوم صارت مجرد ثمانية كواكب بعدما طرد بلوتو من القائمة.

علل الاتحاد الدولي للفلكيين قراره بطرد بلوتو بأن مداره حول الشمس يختلف عن مدارات بقية كواكب المجموعة الشمسية، حيث ينحرف عن مستوى مداراتها ليتقاطع مع مدار كوكب نبتون في مدار بيضاوي شاذ غير ثابت يبتعد كثيراً عن دائرة مسير الشمس، وكذلك لأن بعده عن الشمس لا يتوافق مع قانون خاص بدراسات الفلك يسمى "قانون بود"، وأيضا لارتباطات تتعلق بحجمه بالمقارنة مع الأجرام المجاورة له.

أثار قرار الاتحاد الدولي للفلكيين بطرد بلوتو من فريق المجموعة الشمسية حملة استهجان واسعة، سواء من علماء الفلك والمهتمين به، ومن كثير من عشاق "بلوتو" ومعجبيه، وأيضا من الرافضين مبدئيا لفكرة إلغاء الهوية وتغييرها لأي كائن، من الفنانين والمدونين وغيرهم. وقد بلغت الأزمة قمتها عندما بدأت مجموعة من العلماء حملة مضادة عنيفة على هذا القرار، واتهامهم للاتحاد بأن تلاعباً تم في عملية التصويت، حيث قالوا في بيان حملتهم لجمع توقيعات علماء الفلك المعارضين، إن 428 عالماً فقط هم من قاموا بالتصويت من أصل أكثر من 10.000 عضو، وهو ما فتح باباً واسعاً للحديث عمّا أسموه "الفساد العلمي".

هذه الحكاية أدخلت على القاموس الإنكليزي مصطلحاً جديداً، حيث صار يقال إن فلاناً تم جعله بلوتو

(He Was Plutoed)، أي أنه تم التقليل من مكانته وتنزيل رتبته بلا سبب واضح.

بطبيعة الحال، فإن بلوتو، ذلك الجرم السماوي الذي يدور حول الشمس دورة كاملة كل 248 سنة، هو الكوكب الوحيد الذي لم تزره مركبة فضائية حتى الآن لبعده الشاسع عن الأرض، ويتوقع أن يصله المسبار الأميركي المسمى (الآفاق الجديدة) في عام 2015، لم ولن يدري عن هذا الجدال الدائر، ولم ولن يكترث لحكاية تنزيل أو حتى ترفيع رتبته، وسيظل يدور في مساره حول الشمس وحول نفسه بكل ثبات وإصرار، متحدياً النظريات الفلكية التي كانت تقول إنه سيتفتت في غضون عشر سنوات على الأكثر بعد اكتشافه، إلا أن العلماء فوجئوا به يزداد كثافة وقوة مما جعلهم يعيدون حساباتهم أكثر من مرة.

حال بلوتو كحال كثير من المبدعين في عالمنا، يدورون في مداراتهم الخاصة، لا يلتفتون إلى أحد ويقومون بعملهم الذي يؤمنون به، فيتجاهلهم العالم أحياناً، أو يسخر منهم، أو حتى يقوم بالتقليل من قيمتهم، ولكنهم لا يكترثون ويظلون يدورون في مداراتهم، ليثبتوا للآخرين قيمة إبداعاتهم ولو بعد حين!