المدعج عن تعديلات «سوق المال»: أغلبها لا ينمّ عن ملكة قانونية
الوزير أكد ضرورة إبعاد الهيئة عن المؤثرات السياسية
تضمنت المذكرة التي أرسلها المدعج إلى اللجنة التشريعية حول رأيه في المثالب الدستورية محورين، أولهما يختص بـ «تحقيق شبهات عدم الدستورية»، بينما يتعلق الآخر بجملة المواد المقترحة.
أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير التجارة والصناعةد. عبدالمحسن المدعج أن الكثير من التعديلات النيابية المقدمة على قانون هيئة سوق المال لا "ينم عن ملكة قانونية أو فهم صحيح للقانون"، معتبراً أن نتيجتها ستكون "عدم استقرار الأوضاع في سوق المال ودورانها في فلك الطعون القضائية".جاء ذلك في المذكرة التي أرسلها المدعج إلى اللجنة التشريعية حول رأيه في المثالب الدستورية التي تضمنتها بعض مواد التعديلات، متضمنة محورين، أولهما يختص بـ "تحقيق شبهات عدم الدستورية"، بينما يتعلق الآخر بجملة المواد المقترحة.وشدد المدعج على ضرورة أن "يأخذ المجلس بعين الاعتبار أن قانون هيئة سوق المال صدر حديثا مستهدفا انشاء هيئة مستقلة لضبط أسواق المال بعيدا عن المؤثرات السياسية".وجاء في نص المذكرة التي حصلت "الجريدة" على نسخة منها ما يلي:المحور الأول: تحقيق شبهات عدم الدستورية المثارة بشأن بعض النصوص المقترحة:أشار المدعج إلى التعديل النيابي المقترح على المادة 114، والذي ينص على "اضافة قيد على تحريك الدعوى الجنائية ـ باشتراط صدور شكوى من هيئة سوق المال دون غيرها"، لافتاً إلى ان هذا من شأنه غل يد النيابة العامة عن مباشرة دعوى هي مختصة بتحقيقها دون غيرها، ما يتنافى مع حكم المادة 167 من الدستور الكويتي التي تنص على أن "تتولى النيابة العامة الدعوى العمومية باسم المجتمع وتشرف على شؤون الضبط القضائي" وهو نص مطلق لم يرد بشأنه قيد دستوري أو قيد تمليه المصلحة العامة بالرعاية، لاسيما ان الشاكي هو المضرور وهو الأولى بتحديد ملاءمات طرح الشكوى او الامتناع عن تقديمها.وأضاف أن استحداث قيد الشكوى من ناحية أخرى من شأنه ايضا وضع العراقيل امام الشاكي في ان يلج باب التقاضي "مطالباً بالترضية القضائية" من قاضيه الطبيعي، اما ان يقتصر الحق في تقديم الشكوى على الهيئة ـ دون غيرها ـ وغل يد صاحب المصلحة المحمية قانونا عن تقديمها فإنه يمثل اخلالا بمبدأ الحق في التقاضي المنصوص عليه في الدستور الكويتي بالمادة "167".المشروعية الدستوريةولفت الى ان "التعديل المقترح في المادة ذاتها بعدم إقامة الدعوى الجزائية عن هذه الجرائم إذا تجاوزت قيمة الصفقة 1000 دينار، يتصادم مع مبدأ المشروعية الدستورية في التفريد العقابي، الذي يفترض تناسب الجزاء مع جسامة الجرم، وهو لا يستساغ معه فحوى التعديل الذي من شأنه منع رفع الدعوى الجزائية كلما ازدادت جسامة الجريمة بما ينطوي على تمييز لصالح المتهمين على حساب المجني عليهم، مما يتضمن اسقاط مبدأ حرمة الملكية الخاصة والافتئات الصارخ على حقوق المواطنين، ويعرض اموالهم للمضاربات غير الآمنة، وبالتالي يتصادم المقترح مع المادة 18 من الدستور الكويتي التي تقرر حرمة الملكية الخاصة، والمادة 29 في ما يقرره من مبدأ المساواة، فليس من المعقول ان أحاسب المتهم على الجريمة الاقل قيمة ولا احاسبه على الجريمة الأكبر منها".واضاف المدعج: "كما ان النزول بمدة السقوط للدعوى الجنائية الى ثلاثة اشهر امر مستغرب بالنظر الى خطورة الجرم الناشئ عن مخالفة هذا القانون، وتتصادم بشكل صارخ مع أحكام القانون الاجراءات في المادة 6/1 بشأن تقادم الدعوى الجزائية في مواد الجنح، حيث تنص على مدة السقوط بواقع خمس سنوات، وفي الجنايات بعشر سنوات، ومن ثم فلا يوجد ما يبرر اقتراح هذا النص".وعن رأيه في النص المقترح على المادة 15 من قانون هيئة سوق المال، والذي ينص على ان "تنظم في الهيئة لجنة مستقلة يعين الوزير اعضاءها من المختصين في المجالات القانونية والمالية، وتقوم اللجنة بتلقي الشكاوى والتظلمات، ويجوز لكل ذي مصلحة أن يتقدم بالشكوى إليها من أي خطأ يقوم به أحد الأشخاص المرخص لهم، كما تتلقى التظلمات من القرارات التي تصدرها الهيئة وتكون قراراتها ملزمة للهيئة، وتنص اللائحة التنفيذية على المواعيد والإجراءات وقواعد عمل اللجنة، على ألا يتجاوز الفصل في التظلم أو الشكوى شهرين من تاريخ تقديم أيا منهما، قال المدعج ان "النص الحالي كاف بذاته لتحديد مهمة اللجنة، في تلقي الشكاوى والتظلمات وبيان آلية التظلمات من قراراتها والطعن على هذه القرارات امام اللجنة المختصة ولا حاجة لتعديله". عدم الدستوريةوعما يثار بشأن شبهة عدم الدستورية فيما تضمنه مقترح التعديل قال المدعج، انه لابد من بيان انه ولئن كان ليس ثمة ما يمنع من انشاء لجان ادارية ذات اختصاص قضائي نظرا لطبيعة المنازعات الناشئة من تطبيق هذا القانون لاسيما أن اللجنة المشكلة بقرار الوزير المختص هي في الحقيقة لا تفصل في نزاع قضائي، بل تبت في شكوى مقدمة من صاحب المصلحة ضد أحد الاشخاص المرخص لهم من قبلها، قولا بأنها تباشر الاختصاص ليس بوصفها محكمة قضائية بل بوصفها جهة تنظيمية أولاها القانون مراقبة حسن تطبيق احكامه من المرخص لهم بمزاولة النشاط الذي ينظمه هذا القانون او الاستناد الى القول، بأن النص لا يمنع الاشخاص من اللجوء لقاضيهم الطبيعي ولا يعد افتئاتا على سلطة المحاكم.واستدرك الا ان النص يؤخذ عليه عدم التوافق مع التسلسل التنظيمي، فيما يقرره من ان اللجنة سلطة أعلى من الهيئة ذاتها بالرغم من انها فرع منها ومشكلة بمعرفة الوزير المختص المشرف على الهيئة، كما انه لا يخلو من شبهة عدم الدستورية فيما أورده من منح اختصاص اللجنة بتلقي التظلمات عن قرارات الهيئة، وجعل قراراتها ملزمة للهيئة، مما يسبغ على اللجنة اختصاصا بالفصل في النزاعات مما ينعقد الاختصاص بشأنه للمحاكم التي تقوم بأمرها السلطة القضائية مما مؤداه تداخل اختصاصات السلطة التنفيذية مع السلطة القضائية يتصادم مع مقتضى المادتين 50، و53 من الدستور، ويكون النص الحالي في القانون والقائم أكثر توازنا وتوافقا مع الدستور.أما عن المادة 40 وما يقترحه التعديل بإضافة مادة 40 مكرر بأنه "لا يجوز في العشر دقائق الاخيرة من التداول في بورصة الاوراق المالية الغاء اي امر سابق، ويجوز وضع امر جديد خلال هذه الفترة على ألا يجوز الغاؤه"، قال المدعج ان هذا المقترح لا يعدو ان يكون قيدا تنظيميا محددا بفترة زمنية معقولة لضمان التزام الجدية الواجب في التعامل في البورصة، الأمر الذي تتماحى بشأنه شبهة عدم الدستورية المطروحة بشأن هذا التعديل.جملة الموادالمحور الثاني ويتعلق بجملة المواد المقترح استبدالها في التعديلات المقدمة من السادة النواب، وتصل في بعض المقترحات الى 45 مادة، وفي هذا المحور اكد المدعج انه يجب الوقوف على نصوصها وتحري الصلة والحكمة الداعية الى تعديل النص القائم بالتعديلات المقترحة مردوده الى ما اقره التطبيق العملي للقانون من مشكلات عملية، الامر الذي يجب معه دراسة وبحث ومناقشة تلك النصوص في اللجنة المختصة بمجلس النواب ووزارة التجارة والصناعة مع كل الاجهزة الاخرى (ديوان المحاسبة والخدمة المدنية وهيئة اسواق المال ووزارة العدل)، مع الاخذ في الاعتبار ان القانون صدر حديثا مستهدفا انشاء هيئة مستقلة لضبط اسواق المال بعيدا عن المؤثرات السياسية والتدخلات النفعية، واستقلال هذه الهيئة مشمول باشراف ورقابة السلطتين التشريعية والتنفيذية الامر الذي يستوجب مزيد من التأني في اجراء اي تعديلات على وجه السرعة بما يتنافى مع حسن السياسة التشريعية التي تفرض ملاءمة التأني، لاسيما ان النصوص المقترح تعديلها وان ولدت اشكاليات في نظر بعض المتعاملين في الاسواق المالية فإنها يمكن معالجتها بالتفسير القانوني والقضائي بما يحقق غايات المشرع ومراميه التي توخاها عند اقرار القانون.واوجز المدعج ما شاب بعض المواد المقترحة من مخالفة لمبادئ قانونية مستقرة واساسية سواء في القانون الاداري او الجنائي، وبيان ذلك في ما يلي: المادة الثانية في المقترح ثالثا، مشيرا الى ان النص الحالي تنشأ هيئة عامة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية يشرف عليها وزير التجارة والصناعة تسمى "هيئة اسواق المال"، بينما التعديل النيابي المقترح ينص "تنشأ هيئة مستقلة تسمى هيئة اسواق المال تتمتع بالشخصية الاعتبارية ويشرف عليها وزير التجارة والصناعة، ويكون اعلى سلطة في الهيئة والمسؤول عن كل القرارات الصادرة عنها تشريعية كانت او رقابية".وعقب على الاقتراح النيابي مؤكدا ان "النص متناقض، اذ لا يجوز ان تنشأ هيئة مستقلة لاسواق المال لها الشخصية الاعتبارية ثم نسند رئاستها الى الوزير ليكون اعلى سلطة فيها ونعقد مسؤوليته الادارية عن قراراتها لان ذلك يقتضي الخضوع التام للادارة".وزاد: "فضلا عن ان الاشراف المقصود في معنى المادة بالقانون الحالي لا يعدو ان يكون اشرافا للمتابعة والتوجيه، ولا يستطيل الى حد الاشراف الاداري التنظيمي، بما يقحم الوزير بوظيفته السياسية في شؤون تفصيلية مالية دقيقة لا يجوز اشغاله بها عن عبء وظيفته الوزارية في رسم السياسة العامة والاشراف السياسي على ما يتبع وزارته من هيئات ومؤسسات مع حفظ استقلاليتها بل هي من اساسيات هذا القانون مما يجعل المقترح غير متوافق مع النظام القانوني المعمول به في القانون الاداري الكويتي، من ذلك مقترح تشكيل لجنة خاصة للشكاوى والتظلمات بقرار من الوزير ومن خارج الهيئة للنظر في الشكاوى والتظلمات التي تقدم للهيئة، وفي ذلك مجافاة لقواعد واحكام التظلم الاداري واخلال بالتنظيم الخاص بالشكاوى وعدم وجود مبرر حقيقي لمثل هذا الاخلال القانوني لقواعد وانظمة قانونية مستقرة".نتيجة التعديلات... عدم استقرار الأوضاع في سوق المالأكد الوزير المدعج أن "كذلك الحال في مواد مقترحة تناقض تنظيم القانون الجنائي الكويتي، فما المبرر الذي يجعل المشرع يناقض أبسط أحكام النظام القانوني القائم في التشريع الجنائي ويخرج بأحكام لا تتوافق معه وتناقض أبسط مبادئ هذا القانون؟، وكيف يحرم النائب العام من منع سفر متهم أو التحفظ على أمواله؟، وهو من أبسط الإجراءات المتبعة في القانون الجنائي الكويتي والمقارن ويعطي هذا الاختصاص للمحكمة، في حين قد يكون رئيس الدائرة التي تنظر الطلب برتبة قضائية أقل من النائب العام، فلا نقبل بقرار المستشار ونقبل بقرار قاض بدرجة وكيل محكمة أو أقل، بل ان هذه الفكرة تناقض الغاية من التشريع، فالمنع من السفر والإجراءات التحفظية إجراءات وقتية ومستعجلة لمواجهة هرب المتهم أو تهريب امواله، فهل يتحقق ذلك بالإجراء المقترح أم يتحقق نقيض الغاية المستهدفة من النص؟".وأوضح المدعج أن التعديلات في كثير من مواضعها مجتزأة لا تماشى مع روح التنظيم، وتجعل مواد القانون زاخرة بالتناقضات، وكثير من التعديلات لا تنم عن ملكية قانونية او فهم صحيح للقانون، مما ينتج عنها تناقض في الأحكام وترقيع للنصوص تشوه النسيج التشريعي وتجعل من تطبيقه مسألة لا تخلو من تناقض ومحل للطعن، أي أن النتيجة التي ستنتهي إليها هي عدم استقرار الأوضاع في سوق المال ودورانها في فلك الطعون القضائية، وهذا نقيض إرادة المشرع من تنظيم سوق المال.