جاء إعلان إحدى شركات الإنتاج السينمائي في مصر عن إطلاق مشاريع سينمائية جديدة خلال العام 2014 مع التنويه إلى توسعها في افتتاح عدد من صالات العرض السينمائي في محافظتي الإسكندرية والدقهلية، بالإضافة إلى الصالات التي تُديرها في القاهرة والإسماعيلية وبنها ودمياط والسويس وغيرها من مدن مصرية، ليؤكد ارتباط دوران عجلة الإنتاج السينمائي بوفرة صالات العرض، التي تمثل عاملاً حيوياً في صناعة السينما، نظراً إلى الدور المهم الذي تؤديه ليس في ما يتعلق بالجانب الترفيهي فحسب، وإنما في دفع عجلة الاقتصاد من خلال ضمان توزيع الفيلم السينمائي وتسويقه، واعتباره أحد مصادر الدخل القومي للبلاد.

Ad

حقيقة أدركتها السينما الأميركية، التي نظرت إلى السينما كصناعة، قبل أن تكون تجارة وفناً، ومن ثم اهتمت بشكل مبكر للغاية بتدشين بنية أساسية، كالبلاتوهات  المجهزة بأحدث الكاميرات، والمعامل المزودة بأحدث التقنيات، وفطنت إلى أهمية صالات العرض السينمائي كعنصر رئيس لا يُسهم في تغطية كلفة الفيلم فحسب، كمرحلة أولى، ثم تحقيق أرباح للشركة المنتجة في مرحلة تالية، وهو الهدف الذي نجحت السينما الأميركية في الوصول إليه بصورة مذهلة، وإنما باعتبارها (أي صالات العرض) سلاحاً استراتيجياً يضمن للفيلم الأميركي الاستقلالية مثلما يقوده إلى فرض هيمنته على شعوب العالم. ولأجل هذا لوحظ الارتفاع الهائل في عدد صالات العرض في أميركا نتيجة تجاوب الجمهور، وإقبال أصحاب رأس المال على الاستثمار في مجال بناء صالات العرض والإنتاج السينمائي، بعد ما قيل إن الفيلم الذي تبلغ تكلفته مئتي دولار قادر على جني أرباح تساوي عشرة أضعاف كلفته!

في المقابل، تعاني صناعة السينما المصرية من أزمة حادة تتمثل في أن الزيادة المطردة للسكان لم يُقابلها زيادة في رقعة صالات العرض، بل واكبها تراجعاً ملحوظاً في عدد صالات السينما، مُقارنة بعدد السكان. والأخطر من هذا أن المستثمرين أولوا اهتماماً كبيراً بتشييد الصالات في العاصمة والمدن الرئيسة في محافظات الوجه البحري، وهو ما لاحظناه في تأكيد الشركة الإنتاجية، التي أشرنا إليها في المقدمة، أنها بصدد افتتاح عدد من الصالات في القاهرة والإسكندرية والدقهلية والإسماعيلية والسويس ودمياط وبنها، لكنها لم تأت مُطلقاً على ذكر محافظات ومدن الوجه القبلي (جنوب مصر) التي تعاني غياباً مخيفاً في صالات العرض السينمائي؛ بدليل أن محافظات بأكملها لا تتوافر لها صالات من أي نوع، وهي الظاهرة التي تتكرر في المناطق والأحياء الشعبية التي شهدت إغلاقاً وهدماً مُنظماً للصالات، بفعل الإهمال، وأيضاً تجاهل القرار الوزاري الذي يُشدد على بناء دار عرض مكان المهدمة، ومن ثم لم يعد مستغرباً أن تتحول المحافظات، والأحياء الشعبية بالتبعية، إلى مرتع للتطرف، ونبع خصب للتعصب، وكراهية الآخر!

المفارقة المثيرة أن قلة عدد صالات العرض كانت سبباً في تراجع الإيرادات بشكل كبير، ما أدى إلى تعثر عجلة الإنتاج، وعجز شركات الإنتاج عن تغطية الصالات باحتياجاتها من الأفلام، وكانت النتيجة الكارثية أن لجأ عدد من مديري الصالات وأصحابها إلى المطالبة بزيادة نسخ الأفلام الأميركية ثم التفكير جدياً في الاستعانة بالفيلم الهندي كي يستعيد العرش الذي كان يتبوأه في مصر منذ سنوات!

يحدث هذا في الوقت الذي يعاني فيه مخرجو السينما العربية، فضلاً عن صانعي السينما المصرية الجديدة، التي أصطلح على تسميتها «السينما المستقلة»، من تعنت غير مفهوم من الموزعين، وأصحاب صالات العرض، ممن يرفضون عرض أفلامهم الجديدة أو الاكتفاء بعرضها لمدة أسبوع واحد لا أكثر، بحجة أنها «أفلام بلا جمهور»، وأن مبيعاتها في «شباك التذاكر» لا تشجع على عرضها أو الإبقاء عليها، بينما الحقيقة التي يتعمد البعض إخفاءها أن تجاوب الجمهور المصري مع الأفلام العربية أو السينما الجديدة سيمثل تهديداً حقيقياً لمصالحهم، ويهدم النظريات الملفقة التي روجوا لها طويلاً، وأكثرها كذباً وبهتاناً أن «الجمهور عاوز كده»!

تكمن أزمة صناعة السينما المصرية في استسلامها لأوهام روج لها «أباطرة» وأصحاب مصالح، وأفكار عشوائية ارتمى البعض في أحضانها، وأول خطوة للخلاص من الأزمة أن نشجع رجال الأعمال على الاستثمار في صالات العرض؛ خصوصاً سينما الأحياء، كذلك الشاشات المختلفة التي تستوعب ما لا يزيد على 100 مشاهد، وأن تتسع رقعة هذه الصالات لتصل إلى الصعيد، وتُصبح تذاكر الدخول في متناول المواطن البسيط، مع التوسع في عرض الأطياف السينمائية التي تصنع التراكم، وتوفر للمواطن ذائقة مختلفة تتيح له التفريق بين الغث والسمين، من دون وصاية مقيتة يفرضها البعض عليه، ووقتها ستنجح السينما المصرية في بلوغ الإيرادات التي تمنحها الاستقلالية المنشودة.