لا ألوم المصريين في حبهم للمشير عبدالفتاح السيسي، فقد خلصهم من كابوس مرسي الذي حسبوا أنهم لن يصحوا منه أبداً، فإذا به ينقلهم في لحظات إلى حلمه الجميل!
ولقد شاهدت لقاءه التلفزيوني الأول كمرشح للرئاسة فوجدت أنه "مهضوم" كما يقول اللبنانيون، فالرجل يشعرك بأنه من أبناء البلد "الجدعان" البسطاء الذين يرتجى منهم الخير، ورغم أنه أمضى معظم حياته في العسكرية، فإنه تحدث بأسلوب وهدوء أساتذة الجامعة، عدا بعض اللحظات القليلة التي خيّل إليّ أنني لمحت البدلة العسكرية تظهر فجأة لتختفي مرة أخرى حين رد على بعض الأسئلة المستفزة!لديه فهم معتدل للدين، وقد بين أن عداءه للتشدد والتزمت الديني فقط لا للإسلام كدين يؤمن ويعتز بإيمانه به، وقد أعجبني تلخيصه لحال المسلمين حين قال: "فهمنا الحالي للدين... أفقده إنسانيته، وقدمه للعالم بصورة سيئة"!وقد تحدث بحماسة شديدة عن مستقبل مصر، وما ينبغي للمصريين جميعاً حكاماً ومحكومين أن يقوموا به، وقدم رؤيته بشأن التعليم والصحة والاقتصاد ورغبته في تنفيذ المشاريع المؤجلة التي لم تنفذها الحكومات السابقة والتي ستقوم بنقلة نوعية لمصر والمصريين!ولو كنت قد ولدت بالأمس، وليس لدي أدنى معرفة بتاريخ الشعوب العربية في الخمسين سنة الماضية، وبهوس وجنون العسكر حين يجدون أنفسهم فجأة جالسين على كرسي الرئاسة، لنصحت المصريين أن يبصموا بالعشرة للسيسي وينتخبوه دون تردد رئيساً لهم، لكن التجارب العربية مع الحكام ذوي الخلفية العسكرية مريرة ومأساوية، لها لون الدم ورائحة المعتقل وطعم كسرة الخبز الجافة، ولقد كان أبطالها على امتداد الخريطة العربية، القذافي في ليبيا، والنميري والبشير في السودان، وحافظ الأسد في سورية، وعلي عبدالله صالح في اليمن، وفي مصر عبدالناصر والسادات ومبارك، مع كل هذا، ربما سيكون الأمر مختلفاً بعض الشيء مع السيسي، فهو الوحيد الذي سيأتي عبر صناديق الانتخاب بعيداً عن ظهور الدبابات الفاجرة، وخطابات النضال الأكثر عهراً من ساقطة رخيصة!على أي حال، المصريون تعبوا و"طلعت أرواحهم" طوال العقود الماضية، فقد سمعوا جميع أنواع الكذب والدجل والنفاق، وليس لديهم على ما يبدو أي نية لسماع أكاذيب جديدة، ولقد أظهروا خلال ثورتهم على مبارك ثم على مرسي أنهم مصرون كل الإصرار على أن تصبح مصر أفضل، وأن ينال الشعب المصري بكل طاقاته وإمكاناته المكانة التي كان يستحقها بين شعوب العالم المتقدم وفي طليعته، لا في مؤخرة ركب العالم المتخلف!والحق أن أحدا لا يعلم ما يخبئه المستقبل للمصريين، فربما يكون السيسي هو "مهاتير محمد" أو "لي كوان يو" مصر القادم، وربما يكون نسخة أخرى مكررة من حكم العسكر سيئ الذكر، لكن الأكيد والمؤكد أن المصريين- إن فعل- سيتعاملون معه كما تعاملوا مع مبارك ومع مرسي، فقد وصلوا في غضبهم على فساد السلطة إلى نقطة اللا عودة، وأيقنوا أن ما مضى يجب أن يدفن إلى الأبد، وأن مستقبلهم المشرق لابد أن يأتي، بالطيب أو بالعافية، بالسيسي أو بغيره، فالمصريون قادمون، ولن يعودوا أبداً... كما كانوا!***من أجمل ما ذكره السيسي في لقائه هو رجاؤه للناخبين المصريين بأن يدققوا في اختيارهم ليس في انتخابات الرئاسة وحدها، إنما أيضا في اختيارهم لأعضاء البرلمان، فهم بهذا الاختيار "سيحددون كيف سيكون مستقبلهم"!ليس المصريون وحدهم من يجب أن يفعل ذلك أيها المشير، بل كل العرب... ونحن أولهم!
مقالات
المصريون قادمون!
15-05-2014