انتهى أقسى فصل شتاء (من حيث شدّة الطقس) مر على الولايات المتحدة منذ شتاء 1995-1996، وعادت عجلة الاقتصاد لتدور بصورة أفضل. وقد كنت دوماً متفائلاً بحدوث ذلك لأنني أعتقد أن تعافي قطاع الإسكان والطاقة من الإيجابيات المستدامة، رغم تعرض تلك القطاعات لبعض النكسات. وكان من بين العلامات الإيجابية المبكرة الأخرى الزيادة الحادة في القروض المصرفية (بمعدل سنوي وصل حتى 10% تقريباً)، ما يدل على تحسن الثقة لدى قطاع الأعمال، والتحسن في حركة الشحن عبر السكك الحديدية، والتي تعكس طلبا قويا في نطاق واسع من القطاعات. لكن مع ذلك، فقد تراجع معدل النمو الحقيقي في الربع الأول بنسبة 1%، حيث بدا الاقتصاد بطيئا في تقدمه، لكن ربما تكون عطلة عيد الفصح المتأخرة هذا العام ساهمت في ذلك.

Ad

ويمكن أن يُعزى 1% أو أقل من المعدل العام لتراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى الشتاء القاسي، ما يشير إلى أن هذا الربع كان ضعيفا في الأساسيات دون النظر إلى عامل الطقس. لكنني لاأزال أعتقد أن الزخم سيأخذ منحى تصاعديا في ما تبقى من العام، ونتيجة لذلك أتوقع أن نرى أرباحاً ونمواً اقتصادياً أفضل.

وعندما ننظر بعين فاحصة إلى الأرباح في العام الماضي، نجد بوضوح أن نمو الإيرادات لم يكن العامل الرئيسي الذي ساهم في ارتفاع أسعار الأوراق المالية. ومع ذلك، فقد شهدنا مؤخرا بعض التحسن في الأرباح. وأذكر أننا مررنا بفترة مماثلة من التوجيه السلبي بين عامي 2005 و2007، لكن الأرباح نمت بأكثر من 8% في تلك الفترة.

ومن المحتمل اننا نعيش فترة تتحسن فيها الأساسيات (الاقتصاد والأرباح)، وتبقى أسعار الفائدة منخفضة، لكن السوق لا يحقق سوى تقدم ضئيل. ويمكن أن يعزى السبب إلى الانطباعات والمشاعر، وهو أمر إيجابي (مؤشر معاكس)، وإلى حقيقة أن المؤسسات المالية تستثمر بشكل كبير في الأسهم نتيجة للأداء القوي لأسواق الأسهم في الدول المتقدمة على مدى العامين الماضيين.

ويعتقد آخرون أن صعود السوق خلال عامي 2012 و2013 نجم عن التسهيلات النقدية للبنك الاحتياطي الفدرالي، والتي بدأت تنحسر الآن مع خفض الاحتياطي الفدرالي لبرنامج شراء السندات بمقدار 10 مليارات دولار شهريا، ما يعني تقليص السيولة التي كانت القوة الدافعة لارتفاع أسعار الأسهم، وذلك قد يؤثر عليها سلبا في المرحلة المقبلة.

ومن بواعث القلق الأخرى أن معدلات الإنتاجية لم تتحسن، فقد نمت الأرباح بنسبة 5% إلى 10% على مدى السنوات القليلة الماضية رغم ان الاقتصاد كان ينمو بمعدل أقل من 3%. وقد ساعد في ذلك انخفاض أسعار الفائدة ومعدلات التضخم، فضلا عن الدور الذي لعبه تحسن الإنتاجية بفضل التقنية والإدارة الأكثر صرامة. وإذا بقيت مستويات الإنتاجية على حالها بسبب عجز المسؤولين عن تقديم أفكار جديدة لرفع الكفاءة أو الافتقار إلى تطورات تقنية مؤثرة، فسيعتمد تحسن الأرباح على معدل النمو في الاقتصاد الكلي. وكل هذه العوامل هي على الجانب القاتم من التوقعات.

ولعل الجانب الأكثر إثارة للإعجاب في البيئة الاقتصادية الحالية هي الزيادة في أنشطة الاندماج والاستحواذ، فقد شهدت الأيام الـ111 الماضية 206 صفقات بلغت قيمتها 1.7 تريليون دولار، وهو مستوى يقارب ما كان الحال عليه عام 2007. ويمكننا ان ننظر لهذا المستوى من النشاط من زاويتين متعاكستين، إذ يرى المتفائلون فيها إشارة إلى تصاعد ثقة المسؤولين التنفيذيين في الشركات ومجالس إداراتها إزاء المستقبل، ما يجعلهم أكثر استعدادا لتقديم التزامات كبيرة لتعزيز وضعهم الاستراتيجي.

أما المستثمرون الأكثر حذراً فيقولون إنها علامة أخرى على البوادر التي تسبق عادة انخفاض السوق. لكنني أنحاز لصف المتفائلين، نظرا لوجود الكثير من العوامل الإيجابية الأخرى. فقد واصلت مؤشرات قطاعات الخدمات والتصنيع التي ترصدها هيئة إدارة التوريد صعودها بثبات.

وكذلك فإننا نشهد نمو الائتمان الاستهلاكي، وانخفاض طلبات إعانة البطالة الأساسية، وزيادة تفاؤل أصحاب الأعمال الصغيرة، وتنامي إيرادات الفنادق، وكلها علامات على تحسّن الثقة في قطاع الأعمال. كما أدى ارتفاع أسعار الأسهم وتقييمات المنازل إلى ارتفاع القيمة الصافية لثروات المستهلكين إلى أكثر من 82 تريليون دولار، وهذا أعلى بكثير من ذروة عام 2007 عندما بلغت 70 تريليون دولار.

ومن العلامات الإيجابية الأخرى زيادة إنتاج السيارات. ففي الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، ارتفع المعدل السنوي المقوم موسمياً من 10.5 ملايين وحدة إلى 11.6 مليونا، وهو مستوى قياسي. إضافة إلى ذلك، فإننا نلحظ تنامياً في نشاط حفر آبار النفط والغاز، وهي علامة إيجابية أيضاً. في الأعوام 2010 و2011 و2012، تباطأ الاقتصاد خلال فصل الصيف وتراجعت أسواق الأسهم متأثرة بذلك.

ويخشى بعض المستثمرين من احتمال تكرار ذلك، ما دفعهم إلى ترديد مقولة: «بِع في مايو وخذ استراحة طويلة». لكن كلاً من تلك الأعوام شهد تحولاً في السياسة النقدية، وهو أمر لا يبدو تكراره مرجحاً في عام 2014. فقد تنبأ مؤشر معهد أبحاث الدورات الاقتصادية، بشكل صحيح، بتباطؤ الاقتصاد الأميركي في النصف الثاني من الأعوام 2010 و2011 و2012. وتوقع عدم حدوث تباطؤ في صيف عام 2013، وكان أيضاً مصيباً في ذلك.

وعندما ننظر إلى المؤشر الآن، نجد أنه ارتفع بشكل حاد مؤخرا، ما يوفر قدراً من الاطمئنان بأن العلامات الاقتصادية الإيجابية الحالية ستستمر. ورأيي هو أن الزخم الاقتصادي على وشك التصاعد، وبالتالي فإن الظروف مهيأة لصعود أكبر في أسعار الأسهم.

وبينما حافظ المستثمرون في الولايات المتحدة على هدوئهم، وكانوا أقل اهتماما نسبيا بالظروف المتوترة في أوكرانيا منذ فبراير، فإن نظراءهم في الخارج أكثر قلقا بكثير. ولذلك فإن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب قواته من الحدود الشرقية لأوكرانيا (والذي لم ينفذ حتى الآن) والانتخابات الرئاسية التي مرت بسلام (وفاز بها بترو بوروشينكو بعد إقبال قوي) قد تكون عوامل مهمة بالنسبة لأسواق الأسهم.

ويراقب العالم الآن مدى قدرة الرئيس الجديد على المحافظة على وحدة البلاد، وإعادة العلاقات مع موسكو إلى طبيعتها. وقد صرح بوتين بأنه يقبل ببوروشينكو زعيماً لأوكرانيا. ومن الأحداث الجيوسياسية المهمة الأخرى، كانت نتائج الانتخابات العامة الهندية إيجابية، وربما تطرق الإصلاحات أخيرا باب هذا البلد المعقد والمهم في الوقت ذاته. في المقابل، أخذت الأحداث في بحر الصين الجنوبي منحى أكثر سخونة، فقد دخلت الصين في نزاع لايزال قائماً مع فيتنام حول حقوق التنقيب عن النفط في البحر.

وما زلت أعتقد أن العوامل الاقتصادية التقليدية مثل النمو الاقتصادي والأرباح وأسعار الفائدة ستكون الأكثر تأثيرا في أسواق الأسهم هذا العام، وأن الأحداث الجيوسياسية ستكون ذات تأثير ثانوي وليست في صدارة العوامل المحركة.

ويدرك جميع المعنيين أنهم سيخسرون الكثير إذا فوتوا فرصة الاستفادة من توسع الاقتصاد في جميع أنحاء العالم حالياً، ولا شك في أنهم حريصون على اغتنام هذه الفرصة، لكن علينا ألا نقلق كثيرا بشأن الأوضاع الجيوسياسية المتوترة في مناطق عديدة، ومنها روسيا والصين، وأن نعتاد تأثيرها في البيئة الاستثمارية.

* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون