ما قل ودل: تحية لقاض جليل حقق في تزوير الانتخابات الرئاسية السابقة في مصر
![المستشار شفيق إمام](https://www.aljarida.com/uploads/authors/67_1682522878.jpg)
الأولى- استقلال القضاء: فاستقلال القضاء ليس ميزة يتمتع بها القاضي في كادر وظيفي خاص، أو في موازنة مستقلة، تدرج بعد إقرارها في الموازنة العامة للدولة رقما واحد، لمنح رؤساء ومجالس الهيئات القضائية سلطات واسعة في النقل من باب إلى باب في الموازنة بالمخالفة للمبادئ العامة في الميزانية وتجاوز بنود الميزانية وأبوابها، دون رقابة من البرلمان على الحساب الختامي، هذه الرقابة هي أولى مهام البرلمانات التي أنشئت من أجلها. إنما استقلال القضاء يعني في ما يعنيه ألا يحاكم الشخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، ولا يسلب من المحاكم العامة ولايتها، ولا تنشأ جهات استثنائية للقضاء، وأن تحترم أحكام المحاكم. ولهذا فإن منح رئيس محكمة الاستئناف سلطات واسعة في انتزاع قضية من أمام النيابة العامة وندب قاض للتحقيق فيها يخل بسير العدالة، لأنه يهدر فكرة القاضي الطبيعي، لأن اختيار هذا القاضي يكون انتقائياً لقضية بذاتها. الثانية- ضمير القاضي هو أهم ضمانة: قالها منذ سبعين عاما عند تقديمه أول قانون لاستقلال القضاء في مصر، وزير العدل المرحوم محمد صبري أبو علم «إن خير ضمانات للقاضي هي تلك التي يستمدها من قرارة نفسه، وخير حصن يلجأ إليه هو ضميره، فقبل أن تفتش عن ضمانات للقاضي فتش عن الرجل تحت وسام الدولة... فلن يصنع الوسام منه قاضياً إن لم يكن له بين جنبيه نفس القاضي وعزته وغضبته لاستقلاله».فقد أثبت المستشار عادل إدريس الذي انتدب للتحقيق في قضية التزوير في الانتخابات الرئاسية السابقة، أن قضاء مصر الشامخ عصي على التدخل، فأرسى هذا القاضي حصن استقلاله برفضه تدخل رئيس محكمة الاستئناف في القضية، وفي شؤون العدالة، وإصراره على المضي قدما في التحقيق الذي ندب إليه، وعلى تكوين عقيدته من الأوراق والتحقيقات التي أمامه، وترسيخه مبدأ سيادة القانون، الذي يعني فيما يعنيه سريان القانون، على الحاكم قبل المحكوم، وأن رجال القضاء ليسوا بمنأى عن الخضوع للقانون والمحاسبة.الثالثة - النأي برجال القضاء عن اللجان الإدارية: وتعتبر لجنة الانتخابات الرئاسية التي أشرفت على الانتخابات السابقة التي تم تزويرها لجنة إدارية، ولو كانت مشكلة من رجال يحتلون أعلى المناصب القضائية، وقد خرجت هذه اللجنة التي كان يتضمنها تعديل دستور مصر (سنة 1971) عام 2005 ولجنة الانتخابات البرلمانية التي تضمنها تعديل دستوري آخر عام 2007 من رحم ردة دستورية عن الإشراف القضائي، ليرتكب النظام الحاكم السابق ما يراه من جرائم تزوير في الانتخابات متدثراً بعباءة رجال القضاء وثوبهم الأبيض، حيث كان الإشراف القضائي على الانتخابات قد تقرر لأول مرة في المادة 88 من دستور مصر 1971 معبراً عن ضمير الجماعة نابعاً من نفسها، ومتأثرا في وضعه بالواقع السياسي الذي عاشته مصر في ظل ثقافة سائدة هي ثقافة التزوير في الانتخابات، حيث كان التزوير يتم جهاراً نهاراً وبأوامر من السلطة العليا، قبل تقرير الإشراف القضائي على الانتخابات في دستور 1971.وهو التعديل الذي كان موضع انتقادنا في مقال لنا نشر في جريدة «الوفد» في مصر في عددها الصادر في 22 مايو سنة 2005 تحت عنوان «تعديل دستوري أم ردة دستورية». وللحديث بقية حول النأي برجال القضاء عن المشاركة في اللجان الإدارية.