ذكريات البصيص

نشر في 10-08-2014
آخر تحديث 10-08-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري الساحة الأدبية في الكويت ولّادة بشكل مبشر، وربما السنوات المقبلة ستشهد أسماء مهمة في السرد الروائي بشكل خاص، ورغم إدراكنا وإدراك هذه الأسماء لصعوبة المهمة التي يختارها الروائي وصعوبة الاستمرار في الطريق الوعر للكتابة الروائية والتي تتطلب ما يشبه العزلة التامة قراءة وكتابة وبحثا إلا أن الشباب يتصدون بشكل جميل لهذه المهمة ويعملون على تكريس أسمائهم كروائيين جادين يستحقون الاحترام.

أحد هذه الأسماء التي تستحق التوقف والإشادة بعملها الروائي وتستحق أيضاً الرهان المستقبلي لقدرتها على الإخلاص للعمل الروائي هو عبدالله البصيص.

لم أكن أعرف هذا الاسم قبل معرض الكتاب الماضي في الكويت حين جاء شاب وسيم للقائي وحين غادرني، قال لي إنه أرسل لي بريداً إلكترونياً يطلب أن أبدي رأياً برواية تركها على البريد، كنت أحس بأن فترة انقطاعي عن المشهد الكتابي في الكويت تضعني في مواقف محرجة مع الزملاء الجدد ومحاولاتي الجادة للحاق بهذا المشهد تبدو أقل مما يجب.

حين عدت إلى كندا قرأت رواية عبدالله البصيص وخالطني شعور جميل من الفرح به ككاتب جاد وأصيل يمتلك جرأة غير عادية في الحكي وشعور بالمرارة بأن الوطن الجميل الذي حلمنا به أصبحت أعمالنا الأدبية كلها ترى سلبياته هي السائدة.

ذكريات ضالة عنوان رواية البصيص الأولى ومحاولته الأولى في التشريح المجتمعي لفترة مهمة من فترات المجتمع الكويتي، لم يكن مجاملا ولا مهادنا كان جريئا جدا يضع سكينا لا قلما في جيبه ويعرف جيدا أين مواطن الخلل. قدرة جميلة على الابتكار والخلق لشخصيات تمارس حياة لا يعرفها الكثيرون، ساهم بناؤه الروائي المتقن في تحديد ملامحها ورسم طيبتها وقسوتها وبشاعتها أحيانا. شخصيات توحشت بسبب ظروفها الاجتماعية الصعبة وطفولتها البائسة ووضعها القانوني المرتبك وشخصيات أخرى خلق توحشها حبها للتسلط والاستغلال واطلاق يدها للتحكم بمصائر الآخرين.

الجميل في الرواية هو ولوجها عوالم من الفساد الاداري والمؤسساتي لم تتطرق له الرواية الكويتية من قبل لأسباب، أهمها قلة المنتج الروائي والأكثر أهمية أن أحدا لا يرى في ركل عش الدبابير سوى صداع لا مبرر له.

لا أريد أن أفسد على القارئ رواية يجب أن تقرأ كإحدى التجارب المهمة للعالم الداخلي للمؤسسة وصراع أفراده مع ذواتهم أولا ومع محيطهم ثانيا. وهي بالتأكيد محاولة في كسر التابو الذي يصورنا دائما على أننا مجتمع أبيض ونقي خال من العيوب وستتلو تلك محاولات أخرى في تشريح مؤسسات أخرى لم يتطرق إليها القص الروائي في الكويت.

الجميل في الرواية هو الطريقة المبتكرة للقص واعتماد الكاتب على استعارة صوت البطل الذي يمنحه الحق في التنازل عن دور السارد الأول لصالح الكاتب الذي يكتفي بكتابة المقدمة ليقدم من خلالها بطل الرواية والرواية للقارئ. يقدم البطل السارد روايته كاملة للكاتب عبدالله البصيص ويقدم ايضا نهايته كجسد معاق وهي نهاية بالتأكيد ليست ذاتية لكنها انعكاس لمجتمع بأكمله، علينا أن ننتظر حتى النهاية لنعرف أسبابها.

back to top