تشارك القوات الفرنسية في صراعات دموية حول العالم، وأحدثها في جمهورية إفريقيا الوسطى. وتؤكد اليوم دول أعضاء أخرى في الاتحاد الأوروبي، بما فيها ألمانيا، أنها ستقدم الدعم لتلك المهمات الفرنسية. وهذا بالتأكيد دعم طال انتظاره.

Ad

تسمع الناس في ألمانيا يسألون دوماً عمّا إذا كان عليهم أخذ جيرانهم الفرنسيين على محمل الجد. أولاً، ترفض فرنسا القيام بالإصلاحات الضرورية، رغم فيض البيانات الاقتصادية السلبية. كذلك اتضح أن تسلية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال الأزمة كانت التجول في باريس، متنقلاً من موعد غرامي إلى آخر، أو على الأقل هذا ما تذكره الصحف الصفراء الفرنسية.

أدى هذا النوع من السلوك في فرنسا، التي لطالما اعتُبرت "الأمة العظيمة" لثقافتها ودورها المميز في العالم، إلى الكثير من الاستهجان في الأوساط السياسية الألمانية. لكن الوضع اختلف في عواصم أخرى حول العالم، مثل بانغي في جمهورية إفريقيا الوسطى وباماكو في مالي. في تلك المدن كان رد الفعل مغايراً. ففي دمشق وطهران وطرابلس حتى واشنطن، تؤخذ باريس على محمل الجد.

صحيح أن فرنسا تتردد في إجراء إصلاحات اقتصادية، ولكن من الواضح أنها لاتزال أمة عظيمة لديها طموحات كبيرة في السياسة الخارجية. حتى مستشارو الرئيس الأميركي باراك أوباما يعتبرون السياسة الخارجية الفرنسية "جريئة".

على سبيل المثال، كان لهذا البلد الدور الأكبر في تنظيم العملية التي نُفذت ضد الدكتاتور السابق معمر القذافي. كذلك بدت فرنسا مستعدة لاتخاذ الخطوات اللازمة في سورية. وأعربت عن مواقف قوية خلال المفاوضات النووية الصعبة مع إيران. بالإضافة إلى ذلك، نشرت قواتها في مالي لتعيد الاستقرار إلى هذا البلد. وقدمت مساعدة بالغة الأهمية في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تشير بعض التقارير إلى تهجير أكثر من مليون شخص نتيجة حرب طائفية دموية بين المسحيين والمسلمين.

وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم في بروكسل يوم الاثنين الماضي على تقديم مساعدة عسكرية لمهمتَي مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى. وقد اعتُبر هذا قراراً بالغ الأهمية طال انتظاره. لاشك في أن بعض الجهود التي يبذلها الفرنسيون تساهم في إبعاد الأنظار عن حالة الجمود المحلية. إلا أن المهمات الأجنبية، خصوصاً في إفريقيا، تعزز أيضاً إيمان الشعب الفرنسي بمجد وطنه، فضلاً عن أنها تعود بالفائدة على مصالح فرنسا الاقتصادية.

رغم ذلك، صارت الدول الأوروبية لامبالية بشأن هدف الاتحاد الأوروبي النهائي: التوصل إلى سياسة خارجية وأمنية موحدة. لذلك اكتفت بإضافة المصطلح "استراتيجي" إلى تقرير مناظرة السياسة الخارجية في اللحظة الأخيرة من قمتها. وفي هذا الإطار، نرى في بروكسل الكثير من منتقدي باريس، الذين يعتقدون أيضاً أن هذا البلد يبذل جهداً كبيراً للحفاظ على ما تبقى من إستراتيجية في سياسة أوروبا الأمنية.

بريطانيا متعبة وألمانيا مترددة

تُعتبر الدول الأعضاء الكبرى الأكثر لامبالاة. فلا تكتفي بريطانيا، التي تعاني سأم الحرب وأوروبا، بإدارة ظهرها للاتحاد الأوروبي، بل تتجاهل العالم بأسره. حتى إن البرلمان البريطاني رفض مشاركة الولايات المتحدة، حليفه الأقرب، في مهمة محتملة ضد الحاكم المستبد السوري بشار الأسد.

أما ألمانيا، فرغم قوتها الاقتصادية، تواصل ادعاءها أنها نسخة ضخمة نوعاً ما من سويسرا المحايدة. يُفترض أن يكون من الأسهل اليوم على الحكومة الألمانية تقديم الدعم للفرنسيين، خصوصاً أن شريك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الصغير السابق في الائتلاف الحاكم، الحزب الديمقراطي الحر، ما عاد يترأس وزارة الخارجية. فقد نشر غيدو فيسترفيله خلال عهده كوزير خارجية ثقافة التحفظ العسكري، مبعداً ألمانيا عن فرنسا في هذا المجال بسبب رفضه مشاركة ألمانيا في الصراع الليبي.

لكن خلفه، فرانك فالتر شتاينماير من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ونظيره الفرنسي، لوران فابيوس من الحزب الاشتراكي، يُعتبران أكثر تقارباً سياسياً. رغم ذلك، علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان تدخل ألمانيا في إفريقيا سيتخطى الدعم اللوجيستي البحت. فالألمان عموماً ينظرون بعين الريبة إلى مهمات القتال الخارجية.

لكن الأرض لا تكف عن الدوران لأن الألمان خصوصاً والأوروبيين عموماً يفضلون الوقوف مكتوفي الأيدي على اتخاذ أي خطوات. فقد كتب فريق عمل الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون خلال وصفه الوضع في جمهورية إفريقيا الوسطى هذا الشهر أن العنف الطائفي قد يزداد حدّة، إذا لم تجرِ السيطرة على الوضع في الحال. كذلك حذر هذا الفريق من أن الصراع لا يشكل خطراً يهدد البلد فحسب، بل الدول المجاورة أيضاً.

قد يسخر الأوروبيون من الفرنسيين أحياناً بسبب فخرهم المبالغ فيه لأنهم ما زالوا يؤدون دوراً ما كقوة عالمية. لكن هؤلاء الأوروبيين أنفسهم باتوا عاجزين عن التحرك، كما لو أنهم يظنون أن ما من عالم آخر خارج حدودهم.

Gregor Peter Schmitz