{مقام حرف} في القاهرة... بهاء الخط العربي

نشر في 11-03-2014 | 00:01
آخر تحديث 11-03-2014 | 00:01
برعاية د. إيناس عبد الدايم، رئيسة دار الأوبرا المصرية، افتتح الناقد عبد القادر حميدة معرض «مقام حرف» للفنان التشكيلي حسن زكي، في قاعة زياد بكير في المكتبة الموسيقية، بحضور نقاد وفنانين ومحبي فنون الخط العربي.
يضم معرض «مقام حرف» للفنان التشكيلي حسن زكي أكثر من 40 لوحة تحتفي بأسرار حرف الخط العربي وجمالياته، وارتياد فضاء جديد للتعبير بالكلمة والبورتريه عن خصائص الحياة العربية، ومأثوراتها الفكرية والفنية خلال القرن الماضي.

تلفت مديرة معارض الأوبرا المصرية هبة مراد إلى فضاءات مغايرة في {مقام حرف} واستعادة بهاء الخط العربي، وتناغمه مع جماليات تشكيلية، وسياقات تجريبية للكتلة والفراغ، والتفاعل مع فنون التراث برؤية معاصرة.

بدوره يشير الناقد عبدالقادر حميدة إلى مستوى المعرض الفني الرفيع، وتفاعله مع ذائقة تبحث عن الجمال والمعرفة والثراء التشكيلي للوحات، يتماهى فيها الخط العربي مع تراثنا وذاكرتنا الثقافية والتاريخية.

لغة تشكيلية

يتميز المعرض بلغة تشكيلية متفردة، وتوثيق بالحروف لأهم الأحداث الاجتماعية والثقافية والسياسية العربية، واحتفاء برموزنا المبدعة في مجالي الأدب والفكر، وأيقونات الشعر الصوفي، ومأثورات الفنون الشعبية.

تبدو خطوط اللوحات الرئيسة متناغمة مع قواعد فن الخط العربي الأساسية، ولها دراية بطابعه الكلاسيكي، ومغامرة التجريب بدلالة الحرف، وتشكيله بميزان خطي تعبيري، وكتلة لونية بعمق اللوحة وسطحها.

تزدان اللوحات بأجساد تحلق في فضاء الحرف، وتندفع نحو غايات سامقة، وتشتعل الألوان بأيقونات المبدعين الأسلاف، وتذكر بأن الفن من درجات الفرح بالوجود، ومجابهة الأسى والخديعة، ومستودع لذاكرة الإنسان عبر العصور.

وتتفاعل عناصر اللوحات في وحدة عضوية متماسكة، حافلة بتنوع زمني بين الماضي واللحظة الراهنة، ومعطيات الربيع من ثورات، واستشراف  مستقبل واعد بعطاء حضاري متفرد.

كذلك تجسد لوحات زكي إيقاعات متماهية مع فكرة المقامات الموسيقية، وثنائية الحزن والفرح، واستحضار نماذج من الشعر بوصفه ديوان العرب عبر عصور مختلفة، وفنون تراثية كرقصة المولوية، ورمزية الحصان بدلالتها على الجسارة والانفلات من القيود.

وفي لوحة «مانشيتات» تجسد الحروف أهم الأحداث في تاريخنا العربي، وتتناثر بين العمق والسطح عبارات ملونة بصدى أيام فائتة، ورغبة الفنان في شحذ ذاكرة المتلقي بطاقة شعورية، وتوثيق لرموز الفكر والإبداع العربي خلال القرن الماضي.

يحتشد «مقام حرف» بمستويات فكرية ومضامين متعددة، بما يوحي بثراء التجربة التشكيلية، وإمكانية التواصل مع قناعات الفنان ورؤاه عبر تعدد الأزمنة وأحداثها الدالة على انكسارات وانتصارات، ووقائع غيرت مجرى التاريخ العربي.

وتتنوع تشكيلات الحرف «المرئي» بطاقة شعورية جارفة، ومعادلة لتأثيره «الصوتي» في وجدان المتلقي، ومقاربة الإيقاع الشعري في قصائد المتصوفة مثل عمر بن الفارض، والشعراء المعاصرين كالراحلين صلاح جاهين وعصام عبدالله.

وترسخ اللوحات قيمة الكلمة وأسرارها الجمالية، والتفاعل بين الشكل والمضمون، واستحضار أصداء منجز الحضارة العربية وثرائها الثقافي، وكم هائل من الإبداعات في الشعر والموسيقى.  

يستحضر زكي في لوحاته مفردات دالة على رفض المثالب، ومنها لوحة «لا»، بما تثيره في المخيلة من قناعات بقيمة التفكير والاستنارة، والحضور الإنساني المتشبث بقيم العدل والحرية، في عالم لا يخجل فيه الإنسان من نفسه.

 ذاكرة الحروف

تحتفي اللوحات بتناغم الحرف والتشكيل، وتفتح نافذة جديدة لخروج الخط العربي من الأطر المتعارف عليها، واتساع كتلة اللون بعمق اللوحة، وملامح الوجوه في هالة الكلمات الدالة على سطوة المعنى.

وفي لوحة «الحرف» يكتشف الفنان إدراكاً جديداً للغة، كوسيلة للتعبير، وذاكرة مضيئة بحروف ملونة، وحضور إنساني شفيف، وتراكم المفردات المعبرة عن دراما الأحداث التاريخية للأمة.

وبين الكتلة والفراغ تطل الحروف الملونة، وإيقاعها الخطي بميله إلى التجريب والمغامرة، والنأي عن الزخارف التقليدية، بما يشكل تحدياً لطموحات الفنان في ابتكار مسارات جديدة لتشكيل الخط العربي.   

ويعد «مقام حرف» انطلاقة جديدة في سياق إسهامات لفنانين تمردوا على الشريط «الخطي» التقليدي، والخروج من قيود اختيارية تمثلت في الرصانة واستخدام الفنانين الأسلاف لوسائط ثابتة عبر قرون طويلة.

زخرفة عربية

 

يشيد الشاعر زين العابدين فؤاد بالمعرض، وتنويعاته الموسيقية على لحن «الزخرفة» العربية، وهارمونية الإيقاع واللون والخط، واستحضار الغناء والإنشاد الصوفي، ودلالة اللون الأبيض والأسود والرمادي، وجسارة التجريب بتشكيل الحروف.

ويقول الناقد محمود عبدالوهاب إن لوحات «مقام حرف» تحمل رائحة وألواناً ذات خصوصية في الوجدان الشعبي، ليصبح الخط العربي جذراً مصرياً في فضاء الفن التشكيلي.

بدوره يوضح الفنان حسن زكي أن فكرة معرضه بدأت في 2009 بمنحة تفرغ لمدة عامين، لينجز هذا المشروع، ويبتكر وسائط بديلة للشريط الخطي بوسيط ثابت {الحبر وخامة الورق}، والخروج من أطر الزخارف التقليدية إلى فضاء التشكيل بالحروف.

يضيف أن للحرف مقاماً وجماليات تشكيلية وثيقة الصلة بالموسيقى، فهو ليس مكوناً للغة ووحدة بنائها فحسب، بل حامل روح ومتسع لقارئه وكاتبه ومتلقيه من مشاهد وسماع، فهو خزانة المعنى ومستودع لأسرار لا تنتهي.         

ويشير إلى أن «مقام حرف» يتيح للناطقين بغير العربية، التعامل مع الخط العربي كلوحة تشكيلية لها جمالياتها، وتحمل خصائص الشفافيات اللونية، ووسائطها: القماش والفرشاة وألوان «أكرفك».

يذكر أن الفنان حسن زكي أحد الوجوه التشكيلية الشابة، وله مشاركات في معارض جماعية، واهتمام خاص بالخط العربي ودراسة فنونه المختلفة، وإسهامه المتميز في مجالي الشعر والموسيقى.

back to top