مع عناوين فيلم «حلاوة روح»، الذي كتب له السيناريو والحوار علي الجندي، يُكثف المخرج سامح عبد العزيز جرعة الإثارة التي تمنح المتفرج إحساساً بأنه مُقبل على {تمثيلية غواية} مرسومة بعناية؛ حيث يبدأ بقطعات سريعة متتالية للبطلة هيفاء وهبي وهي تقف أمام المرآة بقميص نوم فاضح، يكشف صدرها البارز، ثم تقضم تفاحة تتبعها بالتهام شريحة بطيخ ينساب ماؤها سريعاً نحو الوادي الضيق عند مفرق ثدييها، وبعدها نرى مرجلاً به مادة تغلي، في إيحاء بأن المرأة تتلوى على جمر النار، وفي لقطة تالية نُدرك أن المرأة تصنع الحلاوة المخصصة لإزالة الشعر من ساقيها، وينجح المخرج، بعد كل ما فعله، في الهروب من المحظور الرقابي بعدما أوحى بأن كل ما شاهدناه مجرد حلم في منام طفل يستيقظ على صوت ممارسة حميمة بين والديه في الفراش!
هذا الطفل الذي يُدعى {سيد} (كريم الأبنودي) هو، في الحقيقة ومن دون مبالغة، بطل فيلم {حلاوة روح} أمام هيفاء وهبي، صاحبة شخصية {روح}، التي مات والداها في المنصورة، وسافر زوجها إلى الكويت، بعد شهرين من ليلة زفافهما، وصارت مُطالبة بوأد رغباتها المشروعة، ورعاية أم زوجها العنيفة (أحلام الجريتلي) ومواجهة أطماع رجال الحارة، على رأسهم {طلعت جاكوار} (محمد لطفي)، صاحب محل قطع غيار السيارات، وخادمه {عرفة} (باسم سمرة) الذي يتاجر بأعراض نساء الحارة، ويُطلق على نفسه {مدير إدارة الجثث الطرية}، بل لم تفلت من تحرش الكفيف {زكريا} (صلاح عبد الله) عازف الترومبيت الذي كان يعمل في فرقة الراقصة {صباح ألاجا} (نجوى فؤاد) قبل اعتزالهما معاً، ومن ثم تثير الفتنة في الحارة، وتؤجج الغيرة في قلوب نسائها فيكيدون لها، ويتربصون بها. من مشهد إلى آخر لا تملك سوى أن تندهش لفرط {الصورة الغرائبية}، التي رسمها كاتب السيناريو أحمد الجندي، وأراد منا أن نُصدقها؛ فالشر متأصل في نفوس رجال الحارة ونسائها، وكأن بينهم وبين {روح} ثأراً دفيناً، بينما تسببت {الدراما العرضية} في رتابة لا تُحتمل، وأدت إلى أحادية الشخصيات الرئيسة، وإهمال الاهتمام بالشخصيات الفرعية، وكانت النتيجة أن غرقت الأحداث في طوفان من الملل، الذي تسبب فيه التكرار، فالدراما لا تندفع خطوة إلى الإمام، ولا تخرج، في الغالب، عن {جاكوار}، الذي يُبدي استعداده لإنفاق أمواله الطائلة على من ينجح في إخضاع {روح}، بينما استمرأ {عرفة} القوادة، بحجة أن {جاكوار} هو ولي نعمته، و{فاتح بيته}، وهو الدور القذر الذي يود لو علمه لابنه {سيد}، بعدما حرمه التعليم، ليلقنه دروساً في أصول {التحشيش}، واعتاد ممارسة الجنس على مقربة منه، فكان طبيعياً أن يُدمن الطفل، بطريقة مرضية، التلصص على {روح} آناء اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، ويتحول إلى مشروع بلطجي! أدرك كاتب السيناريو علي الجندي أن القصة ليست من بنات أفكاره، وإن لم يُشر إلى المصدر الذي قام بالسطو عليه، واكتفى بكتابة السيناريو والحوار، لكنه عجز عن إثراء الفيلم بمواقف درامية طازجة، واكتفى بالمواقف التي لا تعرف المنطق؛ فالنساء لعبة في يد القواد {عرفة} يأتمرن بأوامره، وينفذن فرماناته، ربما في حضور رجالهن، من دون تذمر أو تنمر، بحجة الفقر، و{روح} أضحت بمثابة العقدة التي تُذكر النساء بشرفهن الضائع، والرجال بنخوتهم المفقودة، فتآمر الجميع عليها، في مشهد لا يخلو من ركاكة وسطحية، ويغلب عليه الافتعال والتلفيق، لكن العجيب أن السيناريو نوه، في مشهد مهم للغاية، إلى أن أزمة {روح} تكمن في رومانسيتها، وضعف شخصيتها، وانصياعها الكامل لحماتها، وأنها في حاجة إلى بعض التمرد، ورغم هذا تجاهل الجميع التشخيص، وأهملوا إيجاد مبرر لغياب القبضة الأمنية، وطغيان الانفلات والبلطجة بشكل غير مقبول! يرصد {حلاوة روح}، حاضراً مريضاً في مجتمع مهزوم، يفتقد النخوة، ويلفظ أنفاسه الأخيرة، أو بالأحرى يعيش {حلاوة روح}، بينما ينتظره مستقبل كسيح، وهو المعنى الذي ترجمه مشهد الأطفال (المستقبل)، وقد لجأوا إلى تصنيع زجاجات المولوتوف ليواجهوا سطوة ودكتاتورية الآباء (الحكام)، والثورة على الواقع، بعدما أعلنوا رفضهم لأشكال الوصاية والقهر (والاغتصاب) لكن الثورة أجهضت، على يد الثورة المضادة، وتحول الأطفال إلى مُقعدين يجرّون أذيال الخيبة، بعد تلقينهم درساً قاسياً، ولم يبق لهم، على رأسهم {سيد} سوى البحث عن {روح}، التي انتهك عرضها، وفقدت شرفها، وحُكم عليها بالطرد من الحارة. غير أن {الرسائل الثورية} التي من هذا النوع بدت {محشورة} و{مقحمة}، كونها جاءت بغير تمهيد، ولا مبرر، وحمّلت الفيلم فوق طاقته، تماماً مثل إيهامنا بأن {روح} امرأة أسطورية أو استثنائية، أو ربما جنح الخيال بصانعي الفيلم فصوروا لأنفسهم أنها {مصر} التي اغتصبت، وانتهك شرفها!
توابل
فجر يوم جديد: {حلاوة روح}!
11-04-2014