استغلال نجاح أو إفلاس فني؟
ظاهرة إعادة تقديم مشاهد من أفلام في أفلام جديدة
«هاتولي راجل» و{عش البلبل» وغيرهما من أفلام تعرض هذا الموسم أعاد فيها مخرجوها تقديم مشاهد من أفلام أخرى. ما الهدف من هذه الخطوة؟ هل هو استغلال لنجاح هذه الأفلام؟ أم أن انتماءها إلى الكوميديا يسمح لها بإعادة تقديمها لإثارة ضحك الجمهور؟ وهل عرضت بشكل مناسب ضمن الأحداث أم مجرد «حشو» لإطالة مدة الفيلم؟
«هاتولي راجل» و{عش البلبل» وغيرهما من أفلام تعرض هذا الموسم أعاد فيها مخرجوها تقديم مشاهد من أفلام أخرى. ما الهدف من هذه الخطوة؟ هل هو استغلال لنجاح هذه الأفلام؟ أم أن انتماءها إلى الكوميديا يسمح لها بإعادة تقديمها لإثارة ضحك الجمهور؟ وهل عرضت بشكل مناسب ضمن الأحداث أم مجرد «حشو» لإطالة مدة الفيلم؟
يتضمن فيلم «هاتولي راجل» مشاهد من فيلمي «أفريكانو» و»السلم والثعبان»، كذلك يتضمن «عش البلبل» مشاهد من «الفرح» و»عبده موته»، لكن بأسلوب كوميدي، وقبلهما أعاد «حصل خير» تقديم مشاهد من: «الهروب، اللعب مع الكبار، معبودة الجماهير». كذلك أعاد فيلم «مهمة في فيلم قديم» تقديم مشاهد من: «اللمبي، شارع الحب، كابوريا، إسماعيل يس في مستشفى المجانين».
إضحاك ومتعةيقول مؤلف «هاتولي راجل» كريم فهمي إن هذه المشاهد واردة ضمن السياق الدرامي وليست تقليداً لمثيلتها في الأفلام الأخرى، بل هي ذاتها، والهدف منها إضحاك الجمهور.يضيف: «لم تكن هذه المشاهد مقحمة على الدراما، فمثلا في المشهد الذي تعترف فيه ميريت بحبها لشريف رمزي، من الطبيعي أن تكون طريقة اعترافها مختلفة عن أي فتاة عادية، لأنها تعمل ضابطة شرطة، لذا أردت أن يعبّر المشهد عن هذه الفكرة، فكان الأسلوب الأنسب هو المشهد الذي قفز فيه الفنان أحمد السقا من أعلى الشلال في فيلم «أفريكانو» ليثبت لمنى زكي مدى حبه لها.يوضح أنه اتبع الطريقة نفسها في كتابة مشهد المواجهة بين أحمد الفيشاوي ويسرا اللوزي؛ فبعدما أقامت معه علاقة حميمية فعلت مثلما يفعل أغلب الرجال، واتخذت قراراً بالبعد عنه لأنها لا تستطيع الارتباط برجل جمعتها به مثل هذه العلاقة، فوجد أن أنسب مشهد يعبر عن هذه المشكلة، مع تبادل الأدوار، موجود في فيلم «السلم والثعبان» بين هاني سلامة وحلا شيحا؛ فاستخدم الجمل الحوارية ذاتها، من دون إجراء أي تغيير فيها، ما ساعد في التعبير عن الفكرة واندماج الجمهور معها، وأبعد عنها مقولة ألا فائدة منها أو إنها استغلال لنجاح الأعمال التي عرضت ضمنها.فانتازيا مركبةيصف حسام الجوهري، مخرج فيلم {عش البلبل}، هذا الأسلوب بأنه فانتازيا أحب تركيبتها، هدفها إعادة صياغة المشهد، وعرضه بشكل كوميدي، مشيراً إلى أن هذه الطريقة الدرامية ليست جديدة بل متاحة ومقبولة في السينما العالمية؛ إذ استخدمت في فيلم Mr bean الذي قدم شبه فانتازيا مأخوذة من فيلم {تيتانك}، وعرض المشهد الذي يتعانق فيه البطلان أعلى السفينة، لكن مع إضافة اصطدامهما بالكوبري ليبدو المشهد مضحكاً. يوضح الجوهري أنه عندما اعتمد هذه الفانتازيا في فيلمه، استخدم معها مشاهد من أفلام انتجها أحمد السبكي، منتج {عش البلبل} أيضاً، من بينها المشهد الذي دار بين دنيا سمير غانم وباسم سمرة في فيلم {الفرح}، فأعاد تقديمه سعد الصغير وبدرية طلبة بطريقة أثارت ضحك المشاهدين، كذلك الحال بالنسبة إلى المشهد الذي استحضر فيه كريم محمود عبد العزيز شخصية محمد رمضان في فيلم {عبده موته}، مؤكداً أنه إذا لم يكن هذا الأسلوب ناجحاً لما تقبله الجمهور.ظاهرة عالميّةيشير الناقد أحمد رأفت بهجت إلى إن هذا الاتجاه لمحاكاة الأعمال الدرامية الناجحة بطريقة تهكمية غالباً ما تكون كوميدية، انتشر في السينما الأميركية والعالمية في السبعينيات على غرار أفلام هيتشكوك وأفلام رعاة البقر، وأفلام الإثارة والرعب مثل شخصية {فرانكشتاين}.يلفت بهجت إلى أن استخدام بعض القيمين على السينما المصرية هذا الأسلوب، وانتشاره في أعمال تنتمي إلى الفترة الزمنية نفسها، وسيطرة نسبة كبيرة منها على أفلام الموسم، يدل على إفلاس فكري يعانيه هؤلاء الصانعين، ولا يرى له مستقبلا إلا إذا كان ثمة ابتكار في هذا الأسلوب، {وإن كانت الأعمال التي استخدمته لا تنبئ باحتمال وجود هذا الابتكار، بالتالي هذا الأسلوب مجرد استسهال وتبسيط مخل من الصانعين، في وقت يحتاج فيه الجمهور إلى أفلام ذات معنى وهدف}.في المقابل، ترفض الناقدة ماجدة خير الله اعتبار هذا الأسلوب إفلاسا فنياً، وتقول: {هذا النوع من السينما يدعى {أفلام البارودي}، وهو معروف في أنحاء العالم، ويعني إعادة تقديم مقاطع من أفلام أخرى لإضفاء جو من المرح على الفيلم، ورسم ابتسامة على وجه المشاهد، وهي تشبه الفوازير التي تُقدم عن أفلام أو مسلسلات قديمة، إنما لا يمكن اعتبارها عاملا مساعداً في نجاح الفيلم أو فشله، وهو أمر يتوقف على مدى جودته من ناحية القصة، والإخراج، والتمثيل}.تضيف أن المخرجين لم يهتموا بكتابة اسم العمل المأخوذ منه هذا المشهد أو ذاك، واعتمدوا على أن شهرته ستجعل المتفرج يستحضر اسمه من خلال النجوم الذين يقدمونه، ويتوقف عليهم مدى تقبل المشاهد لهم، فمثلا إذا كان دمهم خفيفاً سيضحك الجمهور، والعكس صحيح.بدوره يشير الناقد الأمير أباظة إلى أن فكرة اقتباس مشاهد من كلاسيكيات السينما وإعادة تقديمها، حسب رؤية كل مخرج، يعتبرها البعض تشويهاً وإسفافاً، ويطلق عليها آخرون {إفلاساً فنياً} لذا يهاجمونها، ولكن لا يوجد ما يمنع تقديمها، لأنها تعبر عن اعتزاز الصنّاع بهذه الكلاسيكيات.يشترط أباظة ألا تعرض هذه المشاهد بشكل يستخف بها أو يسخر منها، بل تقديمها بما يليق بها لأن السينما، آنذاك، لم تكن تتمتع بالتقنيات والظروف الإنتاجية المتوافرة في هذا العصر.يؤكد أن الهدف من هذه الطريقة استغلال نجاح هذه الأعمال، لأن القيمين عليها لن يستخدموا مشاهد فاشلة ويدخلوها ضمن أعمالهم بما قد يصيبها بالفشل أيضاً، لافتاً إلى أن العمل السيئ يفشل مهما تم تغذيته بمشاهد أو حتى ممثلين نجحوا في أعمال أخرى والعكس صحيح.