يكفي السيسي 52% فقط!
ضروري جداً أنْ يترشح لانتخابات "الرئاسة" في مصر حمدين صباحي وأحمد شفيق وعبدالمنعم أبو الفتوح... وأيضاً عمرو موسى، إن أراد، والأغلب أنه لن يرشح نفسه، فأسوأ فوز لجواد أصيل مطهم أنْ يكون في الميدان وحده، والمثل يقول: "لا قيمة لأنْ يعتبر سبَّاقاً فرسٌ يسابق نفسه"، وهذا ينطبق على المشير عبدالفتاح السيسي الذي من الأفضل أنْ يكون فوزه المضمون بالتأكيد بأكثر من خمسين في المئة بقليل، وليس برقم فلكي كالأرقام التي بقي يجترحها "القادة الملهمون" الذين سلّموا أوطانهم إلى كل هذه المآسي التي نراها الآن في العراق وسورية واليمن وليبيا... والله أعلم من سيأتيه هذا الدور فـ"الحبل لا يزال على الجرار"!سيتعزز الادّعاء بأنَّ ما قامت به القوات المسلحة المصرية في الثلاثين من يونيو الماضي هو انقلاب عسكري، كما يقول الإخوان المسلمون، إذا كان المشير السيسي هو الجواد الوحيد الذي سيدخل ميدان سباق انتخابات رئاسة الجمهورية، فالمصريون وغيرهم الذين يعرفون أنه لا منافس إطلاقاً لهذا الرجل الذي تجاوزت شعبيته حتى شعبية جمال عبدالناصر عندما كان في ذروة شعبيته سيشعرون لاحقاً أنَّه فرض نفسه فرضاً، وبالطبع فإن بعض الأوساط الغربية، الأميركية على وجه التحديد، لا يمكن إلا أن تشكك في هذه الانتخابات، وستقول إنَّ التعليمات والتهديدات السرية هي التي حالت دون أن يكون هناك مرشح ومنافس آخر.
ولهذا، فإنه من الضروري جداً أن يرشح حمدين صباحي نفسه لخوض هذه المعركة، وكذلك الأمر بالنسبة لعبدالمنعم أبوالفتوح وأحمد شفيق، ويقيناً كان من الأفضل للإخوان المسلمين، بدلاً من أنْ يسمعوا لوشوشات شياطين الإنس والجن، ويركبوا رؤوسهم، ويغرقوا بلدهم بكل هذا الإرهاب الدموي الأرعن، أن يتماشوا مع الثلاثين من يونيو ومستجداته، وأن يتحلوا بالقيم السياسية المفترضة في مثل هذه الأمور، وأن يباشروا، على الفور، الاستعداد للجولة الجديدة حفاظاً على "جماهيرهم" على الأقل، إذا كانوا يستبعدون تحقيق فوزٍ كالفوز الذي حققوه في الانتخابات السابقة. إنَّ عدم ترك المشير عبدالفتاح السيسي يدخل ميدان السباق وحده هو مهمة وطنية، وهو دلالة على أن ما حصل في الثلاثين من يونيو ليس انقلاباً عسكرياً، بل حركة شعبية آزرتها القوات المسلحة في اللحظة المناسبة، وهو أيضاً تأكيد على أنَّ هذا الرجل، حتى وإنْ أغرته شعبيته الكاسحة ووسوست له نفسه، و"النفس أمَّارة بالسوء"، ليكرر ما فعله جمال عبدالناصر وما فعله أنور السادات وحسني مبارك، لا يستطيع تجاوز ما نصَّ عليه الدستور بمنع الترشح لرئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين متلاحقتين، وهو لا يستطيع أنْ يواجه شعباً أفرز قيادات وطنية تؤمن بالديمقراطية وتمارسها وتتقدم لخوض المعارك الانتخابية حتى وهي تعرف سلفاً أنَّ الفوز لن يكون حليفها.لقد ارتكب الإخوان المسلمون أخطاءً فادحة كثيرة أولها: أنهم هددوا بإحراق مصر إن فاز أحمد شفيق على مرشحهم محمد مرسي، الذي كان خلال العام الذي أمضاه في قصر الاتحادية مجرد أداة في يد المرشد العام محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر، وأيضاً في يد "آية الله العظمى" الشيخ يوسف القرضاوي، وثانيها: أنهم بمجرد وصولهم إلى رئاسة الجمهورية بدأوا يعملون على إقصاء غيرهم والانفراد بالحكم كما انفرد به حزب البعث في العراق وسورية، وكما ينفرد به الآن الجنرال عمر البشير في السودان، وثالثها: أنهم بعد سقوطهم لم يراعوا أوضاع مصر ولم يستقبلوا الهزيمة بـ"روحية" الحزب السياسي الواقعي، وأنهم بدلاً من الاستفادة من هزيمتهم وتجربتهم البائسة المرة بادروا إلى العنف والإرهاب والتوتير ورفعوا ومازالوا يرفعون شعار: "إسقاط النظام الجديد" الذي اعتبروه نتيجة انقلاب عسكري، وهو في حقيقة الأمر ليس كذلك إذا أخذنا في الاعتبار الثلاثين مليوناً الذين خرجوا إلى الشوارع يطالبون بالإطاحة بنظامهم، ولو أنهم يتحلون بفضيلة النقد الذاتي البنّاء لاعترفوا، منذ الأيام الأولى، بأنهم ما زالوا "أغراراً" وأنهم غير مؤهلين لدولة أوضاعها شديدة التداخل مثل مصر.والآن فإنه من أجل مصر ومستقبلها يجب أن يكون هناك تزاحم فعلي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفي الانتخابات النيابية التشريعية اللاحقة، فهذا سيحبط سلفاً نوايا الذين سيحاولون حتماً من رموز البطانة السيئة إغراء المشير السيسي ألا ينضبط ويلتزم بما نصَّ عليه الدستور وألا يكتفي بولايتين متلاحقتين، وأن يفعل ما فعله عبدالناصر وما فعله السادات وحسني مبارك، وهذا، أي التزاحم الفعلي في الانتخابات المقبلة، سيعزز مبدأ تداول السلطة، وسيعزز أنَّ الاحتكام يجب أن يكون لصناديق الاقتراع وللانتخابات الحرة والديمقراطية لا لجنازير الدبابات ولا للأجهزة الاستخبارية التي كان عنوانها صلاح نصر.