بين الفينة والأخرى تقودني المصادفة "السيئة" أثناء تجوالي في مواقع الإنترنت لمقطع من مقاطع نحر الرقاب التي يقوم بها بعض المتطرفين لمن يسمونهم أعداء الله وهم يهللون ويكبرون بعد أن يفصلوا رؤوسهم عن أجسادهم، وكأنما قد استعاد القوم الأندلس أو حرروا فلسطين!

Ad

وفي كل مرة أحاول عدم إكمال المقطع، وأهرب سريعاً منه إلى قراءة التعليقات المصاحبة له لعلي أجد فيها ما يطمئنني بأن من يقوم بنحر الناس كما الخراف هم قلة قد أضلت السبيل، وأن أغلبية المسلمين لا يقرون هذا النوع من العنف الذي تنهانا أخلاقنا وإنسانيتنا عن القيام به مع أسير لا حول له ولا قوة، وكالعادة تأتي توقعاتي في غير محلها!

فمعظم التعليقات التي أجدها تثني على ما يقوم به الناحرون من عمل "بطولي": "بارك الله فيكم يا أسود الإسلام"... "يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً"... "بكم والله تعود العزة والكرامة"... "والله لو كنت مكانكم لقطعت أطرافه قبل أن أجز عنقه"... "احرقوا جثة عدو الله قبل دفنها"، بعض هذه التعليقات "الرائعة"، صدقوا أو لا تصدقوا، ويا للهول... تحمل أسماء نسائية!

إذاً، فالمصيبة ليست في العشرات الذين يقومون بهذا الفعل، لكنها في مئات الآلاف أو ربما الملايين الذين يحسدونهم على ما آتاهم الله من نعمة النحر، وأنه لو أتيحت لهم الفرصة لعبروا مثلهم عن مشاعرهم "الجياشة" نحو هؤلاء "الكفار"، ولكشفوا عن مواهب في النحر والقطع والحرق التي لا تقل موهبة عن أسود الإسلام هؤلاء، لكنه الحظ والنصيب الذي أعطاهم ما لم يعطهم، والدنيا... حظوظ!

والسؤال الذي يراودني في كل مرة هو: من أين أتتنا هذه الوحشية؟ كيف تغلغلت في النفوس حتى صرنا نحتفي بمشاهد تشمئز منها الطبيعة الإنسانية؟ كيف بلغنا هذه البلادة في الحس والشعور؟ هل للتراث والنصوص الدينية دور في هذا الأمر أم كانت العلة دوماً في تفسيرات المفسرين وأهوائهم؟ وم أين يستقي بعض المفتين فتاواهم التي تجيز هذا النوع من الأفعال؟

حسنا، حاولت تتبع الموضوع، فلم أجد في القرآن الكريم سوى آية وحيدة هي "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ". وقد نزلت في غزوة بدر، وفيها عتاب من الله لرسوله بألا يطلب الفداء للأسرى لأن المسلمين كانوا في حالة ضعف والأولى التخلص من المشركين، أما كيفية التخلص، فلم يأت ذكر للوسيلة، إن كانت النحر أو خلافه!

أما في السنّة النبوية فالأمر مختلف تماماً، والأحاديث التي تجيز هذا النوع من العنف وتؤيده لا تعد ولا تحصى، ولأن مساحة المقال لا تسمح بحصرها كلها، سأذكر اثنين منها  فقط، الأول ما روي عن عمرو بن العاص قال: حضرت قريش يوماً بالحجر فذكروا النبي وما نال منهم وصبرهم عليه، فبينما هم كذلك إذ طلع النبي ومشى حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفاً فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه مثلها، ثم الثالثة فقال لهم: أتسمعون يا معشر قريش، والذي نفس محمد بيده جئتكم بالذبح!

والثاني ما جاء ذكره عن معركة بدر أن عبدالله بن مسعود قد وجد أبا جهل في رمقه الأخير، فاحتز رأسه، وجاء به إلى النبي فلما رآه قال: هذا فرعون هذه الأمة، وقضى بسيفه لابن مسعود!

أصدقكم القول، بعد قراءة هذه الأحاديث وغيرها، أشعر بأن الوقت قد حان لمراجعة الأحاديث النبوية وتمحيصها من جديد، فكثير من الروايات الواردة عن الرسول الكريم لا تتوافق مع صورته في القرآن الكريم، والتي هي المثل الأعلى للرحمة والإنسانية والخلق الرفيع!

والحق أنه حتى أشد المعادين للإسلام لا يجدون في القرآن ما يستدلون به على وحشية المسلمين وهمجيتهم، لكن يجدون في السنّة النبوية وما جاء فيها أحاديث كثيرة تؤيد مزاعمهم، وهي ذات الأحاديث التي تستند إليها فتاوى جزّ الرقاب وقتل الأطفال والنساء التي يتحفنا بها بعض المشايخ من حين لآخر!

نعم أيها السادة، نحن بحاجة إلى مراجعة عصرية للأحاديث النبوية أساسها العقل والمنطق وما يتفق مع القرآن الكريم، ففيها من التشويه لسيرة الرسول الكريم ما ينبغي لنا كمسلمين أن نكون أول من يثبت كذبها، لا أن نكون أول من يدافع عنها ويجعلها مبرراً لكل سلوك وحشي همجي يصدر عن بعض المسلمين!