الطيران لكن بلا أجنحة
![مسفر الدوسري](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1507745577082709700/1507745592000/1280x960.jpg)
البعض تسرقه نشوة الوجود بين السماء والأرض، فلا يعطي نفسه فرصة للتفكير فيما إذا كان يطير بأجنحة تقيه شر السقوط، أم أنه يهوي في قاع عميق، وكلما طالت المسافة ازداد يقيناً أنه يحلّق عالياً، علماً أنه كلما طالت المسافة كان السقوط مدويّاً وكارثيا أكثر.ينشغل هذا البعض بالنظر إلى جمال السماء خلال طيرانهم، ويغفلون اختلاس النظر إلى الأرض التي سيصطدمون بسطحها فجأة بعد وقت، وحينها فقط يكتشفون أنهم لم يكونوا في السماء، وإنما أجزاء متناثرة على الأرض، وأنفاس أخيرة لا تكاد تلفظ جملة أخيرة: ليتنا علمنا! وهم في الحقيقة لم يكونوا ليعلموا. فلطالما تحوّلت صيحات التحذير في آذانهم، إلى عزف موسيقي وهتفات إطراء لألوان الريش في أجنحتهم الوهمية تلك، ولطالما قرأوا كلمة انتبه، واصل تحليقك يغريني!وعبارات النصح ليست إلاّ مخاوف لا مبرر لها، أما من تنبأ لهم بالنهاية المأساوية فهو ليس إلاّ حاقداً حسوداً. لم يكونوا ليعلموا أن طيرانهم ليس سوى الصعود للهاوية، وأن ما يمرون به من سحاب ليس سوى مراثٍ للدمع مؤجلة بانتظار مراسم العزاء لهم، وأن تلك الابتسامة المطرزة بالخفر على شفتي نجمة عابرة، لم تكن سوى بطاقة مواساة تودعهم الى مثواهم الأخير.الطيران مخيف إذا ما كان وهماً نقلب لأجله السماء أرضاً والأرض سماء، لذا كلما انتابنا احساس بأننا نطير، علينا الرجوع الى الأرض بملء إرادتنا بين الحين والآخر لنتأكد أننا لسنا واهمين، وكلما اقتربنا من السماء أكثر، كنا أكثر حاجة لهذا اليقين.إن الشعور المخادع أثناء السقوط مكلف، وباهض الثمن، يأخذ من خُدع به على حين غرّة، لا يمهله، ولا يؤجل أجله قليلاً، السقوط... كالطيران لكن بلا أجنحة!