تنطلق غداً سفينة "رحلة الأمل" من الكويت، كأول رحلة بحرية من نوعها في العالم للمعاقين ذهنياً. المبادرة إنسانية بامتياز، وترفع من روحنا المعنوية في بلد أصيبت معنوياته في مقتل، وقيّده الإحباط لدرجة أفقدته الرؤية، ودمرته السياسة الغبية أو كادت.

Ad

الرحلة بقيادة أولياء أمور ومتطوعين وبتنسيق جاسم الرشيد البدر وبادي الدوسري وابنيهما مشعل وخالد، حفظهم الله جميعاً، وأعادهم إلى البلاد بالسلامة. التخطيط للرحلة استغرق أكثر من سنتين، فجاءت مثالاً على العمل الجماعي من الجميع، دون استثناء، بكل شرائح المجتمع، شهدت تفاعلاً إيجابياً بين كل أجهزة الدولة. نموذج نادر للنجاح لعله يُحتذَى.

واجهت الرحلة مصاعب وعوائق حادة وقاسية كادت تلغيها عدة مرات، كان آخرها اشتراط شركات التأمين وجود ٩ من الطاقم الفني المرخص دولياً، وقد تم توفير ذلك من خلال القوة البحرية، لتضيف العسكر إلى العمل الإنساني، مما زاد عدد ركاب السفينة إلى ١٧، بينما لا يوجد أكثر من ١٣ سريراً للنوم. كانت هذه ربما أحدث مشكلة، ونأمل أن تكون الأخيرة.

تابعت التخطيط لرحلة الأمل منذ البداية، كوني أحد أعضائها الشرفيين، مع أنني لم أقدم شيئاً يستحق الذكر. المسافة الكلية التي ستقطعها السفينة ٢٦ ألف كيلومتر، ومدة الرحلة ٢١٠ أيام، وزمن الإبحار ٩٠ يوماً. عدد الدول التي ستزورها الرحلة ١٩ دولة، وعدد الموانئ ٣٧ ميناء. ومن المقرر أن تصاحب الرحلة في كل محطاتها احتفالات وفعاليات متنوعة، حيث ستصبح حدثاً تاريخياً على مستوى العالم ومبادرة إنسانية يسجلها جهد تطوعي إنساني كويتي يدعو إلى الفخر والاعتزاز.

من المقرر أن تنتهي رحلة الأمل في واشنطن دي سي، وإن كان الاكتفاء بحرياً ببريطانيا، تخفيفاً للعناء، أمراً يستحق التفكير فيه، ومن ثم الوصول إلى واشنطن بطرق أخرى. التفاصيل على أهميتها لا تقارن بأهمية القيمة الإنسانية للرحلة، والتي تطرح قضية المعاقين الذهنيين بأسلوب يحتفي بهم ويرفع من اعتبارهم.

رحلة الأمل هي مبادرة إنسانية تتجاوز بمراحل فقط تقديم المال، إلى المشاركة الفعلية، والعطاء التفاعلي، وخلق الخير الدائم، الذي يمكث في الأرض والنفس فيرطبها ويعيدها غضة ندية، والمجال مفتوح للمبادرات الإنسانية، والتي ربما كان آخرها مبادرة عبدالهادي الجميل في الدعوة إلى التبرع لذوي الحارسين الآسيويين اللذين قتلا في حادثة سطو الصليبية، بكل ما فيها من معانٍ إنسانية بتغيير نظرتنا إلى الآخر.

تكديس الثروة لا يحده الجشع، والسلطة لا تحدها السياسة، أما الفعل الإنساني الحقيقي فلا يحده سقف، فينعكس على الفاعل وعلى محيطه طاقة إيجابية لا حد لها.