اقتصاديون لـ الجريدة•: تدني التداولات و«الهروب» من متطلبات الرقابة... أبرز أسباب انسحاب الشركات من البورصة

نشر في 29-12-2013 | 00:05
آخر تحديث 29-12-2013 | 00:05
انسحاب بعض الشركات «اختيارياً» من سوق الكويت للأوراق المالية مؤخراً فتح باباً للنقاش حول الأسباب الحقيقية التي أدت الى هذه الانسحابات، اضافة الى مستقبل هذه الخطوة خلال الفترة القادمة سواء من ناحية التوسع أو الاندحار والاكتفاء بمن انسحب، خصوصاً من فترة إنشاء هيئة أسواق المال حتى الآن، والتي توزعت ما بين شركات كويتية مثل شركة شعاع كابيتال وشركة بيت الاستثمار العالمي (غلوبل)، والشركة الخليجية للصخور وشركة الاتحاد العقارية وآخرها شركة لؤلؤة العقارية، وغير كويتية مثل بنك البحرين والكويت والبنك التجاري الدولي (مصر) وسوليدير (لبنان) وأريج للتأمين.

وتنوعت الاسباب ما بين انسحابات تكتيكية للخروج من متطلبات هيئة أسواق المال في فترة إعادة هيكلة ديونها وأوضاعها المالية، وضعف مستويات السيولة في السوق الكويتي وعدم جدوى استمرار وجودها وغيرها من الاسباب.

«الجريدة» طرحت هذه التساؤلات على عدد من الاقتصاديين الذين أشاروا إلى أن هذه الشركات عانت الكثير من المشاكل بعد الأزمة وبالتالي فهي لا تستطيع الالتزام بمتطلبات الإدراج الذي هو بالأساس في حدود المشروع مقارنة مع جميع أسواق العالم الأخرى، مضيفين ان بعض الشركات تكون أسهمها في مستويات تداول منخفضة بالإضافة الى انخفاض السيولة في السوق بشكل عام وبالتالي لا جدوى من استمرار تداولها.

وقالوا انه منذ إنشاء «هيئة السوق» لم تُدرج اسهم شركة باستثناء بنك وربة الذي أتى بقوة القانون، مما يعني أن البورصة الكويتية لم تعد مغرية حتى للشركات المحلية للإدراج فيها وتداول أسهمها.

وأوضحوا أن أسباب خروج الشركات من البورصة وانسحابها منها تعود الى ضعف الدخل الناتج عن هذا الادراج وضعف الشركات في مواجهة المتطلبات الرقابية، مشيرين الى أنه يمكن أن يكون لتشدد رقابة «هيئة السوق» دور في هذه الانسحابات، لكن في المقابل فإن بعض الشركات التي خرجت بالفعل تعاني مديونيات كبيرة وأقرب إلى تكون «مفلسة» وبالتالي فإن خروجها صحي للسوق أكثر من أن يكون إيجابيا لها.

وأكدوا أن تشدد «هيئة السوق» المبالغ فيه، وعدم حاجة الشركات الى توسعات من خلال زيادة عدد المساهمين، وملكية 80-85 في المئة من أسهم بعض الشركات إلى ملاّك رئيسيين محدودين وليست مطروحة للتداول، ووجود شركات متعثرة بالفعل من مختلف النواحي، وغير قادرة على متطلبات الجهات الرقابية ومنها هيئة أسواق المال و»التجارة»، هي الأسباب الرئيسية للانسحابات.

أكد الخبير الاقتصادي رئيس شركة الشال للاستشارات جاسم السعدون أن العملية لم تصل لأن تكون بمنزلة "ظاهرة"، بل يجب أن يتم النظر إليها من زاويتين، الأولى أن الشركات بعد الأزمة عانت الكثير من المشاكل وبالتالي لا تستطيع الالتزام بمتطلبات الإدراج الذي هو بالأساس في حدود المشروع بالمقارنة مع جميع أسواق العالم الأخرى، أما الزاوية الأخرى فهي أن بعض الشركات تكون أسهمها في مستويات تداول منخفضة بالإضافة لانخفاض السيولة في السوق بشكل عام، وبالتالي تبدأ بالمقارنة بين جدوى استمرار تواجدها في البورصة من عدمه، ويتم اختيار الأنسب بناء على أوضاع الشركة المالية والأوضاع المالية للسوق بشكل عام.

وأضاف السعدون أنه بعد كل أزمة اقتصادية في العالم، تأتي مدرسة جديدة مختلفة عن السابقة أو أكثر تشدداً، كما حدث في أوروبا من فرض ضرائب ورقابة لصيقة على مستوى بنوكها بعد الأزمة المالية العالمية مما خلق شعوراً أن السلطات الرقابية الأوروبية "تنتقم" من هذه البنوك، وكما حدث بعد أزمة الكساد العظيم، وغيرها من الأزمات الاقتصادية.

وبين أن رقابة هيئة أسواق المال يُفترض أن تبدأ بما هو تحت يدها أولاً، والعمل على إصلاح الاعوجاج في سيولة البورصة من ناحية تركيزها على بعض الأسهم دون غيرها، مؤكداً أن هذه العملية لا تحتاج الى دراسات وبحوث لأنها موجودة أصلاً وواضحة للجميع، ومن المفترض مواجهتها مباشرةً.

وأكد السعدون أنه العادة جرت أنه مع كل مزيد من التشدد في الرقابة فإنها تؤدي إلى عدم دخول شركات جديدة بالإضافة إلى انسحاب بعض الشركات المدرجة الحالية، مشيراً إلى أن تركيز "هيئة السوق" يجب أن ينصب على معالجة الاختلاف في قراءات مؤشري السوق الوزني والسعري كأهمية لتداولات السوق.

التركيز على التسويق

من جهته، قال رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب لشركة الاستشارات المالية الدولية (ايفا) صالح السلمي انه منذ إنشاء "هيئة السوق" لم تُدرج اسهم شركة باستثناء بنك وربة الذي أتى بقوة القانون، مما يعني أن البورصة الكويتية لم تعد مغرية حتى للشركات المحلية للإدراج فيها وتداول أسهمها.

وأوضح السلمي أن متطلبات "هيئة السوق" على الشركات المدرجة مثل الحوكمة وغيرها، لا تصلح لأن تعمم على جميع الشركات بمختلف قطاعاتها وأنشطتها الرئيسية نظراً لعدم حاجة البعض إليها في ظل النشاط الحالي لها، مشيراً إلى أن من الواجب أن نعمل على ما هو مفيد للسوق بشكل عام لا العزوف عن هذه المهمة، وهي المهمة الرئيسية لهيئة اسواق المال من أجل ترغيب المستثمرين والمتداولين وجذبهم للسوق لا العكس!

وأكد السلمي أن الرقابة والتسويق هما أساس عمل "هيئة السوق" ومن الخطأ أن يتم التركيز على جانب دون الآخر،  مشيراً إلى أن ما حدث في سوق دبي المالي على سبيل المثال أكبر مما حدث للبورصة الكويتية ورغم ذلك تعدلت مؤشراته وقام بتعويض العديد من خسائره التي وقعت مع بداية الأزمة المالية، موضحاً أن للتسويق وجذب المستثمرين دورا في ذلك التعديل.

هروب من الرقابة

بدوره، أفاد مستشار مجلس إدارة شركة أرزاق كابيتال صلاح السلطان بأن أسباب خروج الشركات من البورصة تعود إلى ضعف الدخل الناتج عن هذا الادراج، وكذلك ضعف الشركات في مواجهة المتطلبات الرقابية، موضحا أن الوجود في البورصة له تكلفة معينة سواء على مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية.

وقال السلطان إن "بعض الشركات عاثت إدارتها التنفيذية فسادا فيها، ولم تنكشف إلا مع الأزمة المالية العالمية، ووجود هيئة أسواق المال، وبالتالي استغلت ضعف الموارد للشركة وانخفاض مستويات السيولة في البورصة للهروب من المتطلبات الرقابية التي فرضتها عليها الهيئة"، متسائلا: "إذا كانت أمور الشركة على ما يرام، وتحقق إيرادات جيدة وتعمل وفق الأنظمة والقوانين، فلم الانسحاب؟".

وأكد ان الرقابة الموجودة حاليا، سواء من هيئة أسواق المال أو بنك الكويت المركزي أو وزارة التجارة والصناعة، مطلوبة، خصوصا بعد انكشاف العديد من أوجه الفساد وسوء الإدارة لدى العديد من الشركات، بعد اندلاع الازمة المالية، وهذا جعل الشركات "تتضايق" من هذه الرقابة، وتصفها بـ"المتشددة"، مشددا على أنه من الممكن أن يكون انسحاب بعض الشركات "السيئة" مفيداً للسوق لا العكس.

الرقابة موجودة

من جهته، ذكر نائب الرئيس التنفيذي لإدارة الأصول في شركة كاب كورب الاستثمارية فوزي الشايع أنه من الممكن أن يكون لتشدد رقابة هيئة السوق دور في هذه الانسحابات، لكن بعض الشركات التي خرجت تعاني بالفعل مديونيات كبيرة، وأقرب إلى ان تكون "مفلسة"، وبالتالي فإن خروجها صحي للسوق، أكثر من أن يكون إيجابيا لها.

وأوضح الشايع أن صغار المساهمين في الشركات المنسحبة ربما يعانون مشكلة التخارج من حصصهم في تلك الشركات، نظرا لصعوبة التخارج منها بعد الإلغاء، إضافة إلى صعوبة الحصول على المعلومات الدورية للشركة، وكذلك إفصاحاتها التي كانت موجودة أثناء وجود السهم في البورصة، مشيرا إلى ان "تقصي الأخبار" عن الشركات الخارجة من التداول تكون أصعب، وبالتالي معرضة بشكل أكبر للتلاعبات من قبل المستفيدين.

وأكد أن الرقابة على الشركات موجودة سواء كانت مدرجة أو لا، فهيئة أسواق المال تستمر في الرقابة على الشركات الاستثمارية حتى وإن كانت خارج البورصة، كما أنها مستمرة في رصد التلاعبات التي تحدث، وكذلك "التجارة" تستمر في الرقابة على الشركات الأخرى، وبالتالي فإن "هروب" الشركات خارج السوق لن يجدي نفعا.

وشدد على ان هذه الرقابة تختلف في حدتها، حيث إن الشركات المنسحبة لن تكون مطالبة بالإفصاح بين فترة وأخرى عما يحدث لها من اتفاقيات وغيرها، وبالتالي يتم تصعيب الأمر على صغار المساهمين بشكل مباشر.

أسباب الانسحاب

ويرى نائب الرئيس التنفيذي لإدارة الأصول المحلية والخليجية في شركة الساحل للتنمية والاستثمار عبدالله العصيمي ان هناك 4 أسباب لانسحاب الشركات من البورصة، الأول: تشدد "هيئة السوق" المبالغ فيه، والثاني: عدم حاجة الشركات إلى توسعات من خلال زيادة عدد المساهمين، والاكتفاء بالمساهمين الحاليين، كما أنها ترى أن استمرار الإدراج يعوق عملها، وبالتالي يكون قرار الانسحاب الافضل لها.

وأضاف العصيمي ان ثالث الأسباب ان بعض الشركات تعود ملكية 80 إلى 85% من أسهمها إلى ملاك رئيسيين محدودين، كما انها ليست مطروحة للتداول، وبالتالي فإن النسبة القليلة المتبقية للتداول في السوق لا تؤثر على أوضاع الشركة، كما ان التداول عليها يكون محدودا، وبالتالي عدم وجودها في السوق هو الأفضل لها.

وتابع: "أما السبب الرابع فهو ان هناك شركات متعثرة بالفعل من مختلف النواحي، وغير قادرة على متطلبات الجهات الرقابية، ومنها هيئة أسواق المال ووزارة التجارة، وهذا يزيد العراقيل التي تواجهها للخروج من أزمتها، ما يحدها إلى اتخاذ قرار الانسحاب".

وزاد ان "الأسواق المالية بشكل عام وجدت لزيادة قاعدة المساهمين في الشركات المدرجة بها، لتسهيل عملية التوسعات والمشاريع المستقبلية، نظرا لحاجة الشركات لهم، أما إن كانت الشركات نفسها وأوضاعها المالية جيدة، إضافة إلى تمسك ملاكها بها، ووجود قاعدة من المساهمين تساعدها على القيام بالعديد من المشاريع والخطوات المستقبلية فلم الإدراج؟".

وأشار إلى أن ما حدث قبل الأزمة المالية من ظاهرة الاكتتابات وتفريخ الشركات واستخدام الأموال القادمة من هذه الاكتتابات وكذلك القروض، للسيطرة على تداولات الأسهم نفسها و"اللعب" بأموال المساهمين وشركاتهم، أمر سلبي جدا.

وبين ان هذه الاسباب هي التي جعلت "هيئة السوق" تتشدد في متطلباتها ورقابتها، لافتا الى ان التشدد أيضاً يكون مبررا أحيانا، وهو ما وجد لإيقاف التلاعبات والتجاوزات، وغير مبرر، وهو الذي يأتي لمجرد التدقيق والتأخير في اعتماد البيانات المالية رسميا.

وأكد أن انسحاب بعض الشركات لا يعني بالضرورة أن تتحول إلى "ظاهرة" ما لم يزد العدد بشكل ملحوظ، مضيفا أن أداء الشركات لا ينحصر في البورصة، لكن أرقامها ونموها السنوي وأرباحها هي التي تحكم على عملها، مشيرا إلى أن الخروج من السوق لا يعني الخروج من الرقابة، لكنه أخف بالتأكيد، مضيفا أن انعكاس الانسحاب سيكون على المؤشرين السعري والوزني.

back to top